الخطاب بالآخر ، وذلك بأن نقول : إنا وإن قطعنا بتحقق كلا الملاكين إلاّ أن الخطاب بكل من الفعلين لمّا كان متوقفا على القدرة ، وليس لنا في البين إلاّ قدرة واحدة ، وكان العقل حاكما بسقوط الخطاب عند عدم القدرة نقول : إنا نقطع بعدم تحقق كلا الخطابين ، إذ ليس لنا إلاّ قدرة واحدة ، كما أنا نقطع بعدم سقوط كلا الخطابين للقطع بأن أحدهما مقدور لنا ، وحينئذ لا بدّ أن يكون المتوجه لنا هو أحد الخطابين لا بعينه ، ويكون الآخر الساقط هو أحدهما لا بعينه أيضا ، ويكون المكلف حينئذ مخيرا في امتثال أيهما شاء.
وبذلك يظهر التأمل فيما أفاده المحققان قدسسرهما من دعوى سقوط كل منهما استنادا إلى الترجيح بلا مرجح ، لأنا لا نريد أن ندعي التعيين في أحدهما كي يقال إنه ترجيح بلا مرجح.
كما أنه يظهر من ذلك أيضا التأمل فيما أفاده شيخنا قدسسره (١) من كون كل منهما مقيدا بعدم الآخر ، إذ يكفي في رفع المحالية الناشئة من إطلاق الخطاب في كل منهما الالتزام بسقوط أحدهما لا بعينه ، وذلك عبارة اخرى عن كون الساقط هو إطلاق أحدهما أعني كون أحدهما لا بعينه مقيدا بعدم الآخر ، وحينئذ يكون المكلف مخيرا في امتثال أيهما شاء.
وإن شئت فقل : إنا لا نحتاج إلى تقييد كل منهما بعدم الآخر ، بل ولا إلى تقييد أحدهما لا بعينه ، بل يكفي في ذلك الالتزام بما تقتضيه وحدة القدرة المصححة للخطاب ، وهو كون المتوجه هو الخطاب بأحدهما لا بعينه وكون الخطاب بالآخر ساقطا. وبعبارة اخرى : أن طبع المسألة يقتضي أن يكون أحد الخطابين لا بعينه ساقطا ، وحينئذ يكون الباقي هو
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٥ ـ ٤٦.