ابن خطار بن مرة بن مؤيد (١) وذكر أنه همداني وأن أصله من صعد اليمن فقلنا له : أنت رأيت علي بن أبي طالب؟ فقال بيده ففتح عينيه وقد كان وقع حاجباه على عينيه ففتحهما كأنهما سراجان فقال : رأيته بعيني هاتين وكنت خادما له وكنت معه في وقعة صفين وهذه الشجة من دابة علي عليهالسلام وأرانا أثرها على حاجبه الايمن وشهد الجماعة الذين كانوا حوله من المشايخ ومن حفدته وأسباطه بطول العمر وأنهم منذ ولدوا عهده على هذه الحالة وكذا سمعنا من آبائنا وأجدادنا.
ثم إنا فاتحناه وسألناه عن قصته وحاله وسبب طول عمره فوجدناه ثابت العقل يفهم ما يقال له ، ويجيب عنه بلب وعقل ، فذكر أنه كان له والد قد نظر في كتب الاوائل وقرأها وقد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان وأنها تجري في الظلمات وأنه من شرب منها طال عمره ، فحمله الحرص على دخول الظلمات فتزود وحمل حسب ماقدر أنه يكتفي به في مسيره وأخرجني معه وأخرج معنا خادمين بازلين وعدة جمال لبون وروايا وزادا وأنا يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة فسار بنا إلى أن وافينا طرف الظلمات ثم دخلنا الظلمات ، فسرنا فيها نحو ستة أيام بلياليها وكنا نميز بين الليل والنهار بأن النهار كان أضوء قليلا وأقل ظلمة من الليل.
فنزلنا بين جبال وأودية وركوات وقد كان والدي ره يطوف في تلك البقعة في طلب النهر لانه وجد في الكتب التي قرأها أن مجرى نهر الحيوان في ذلك الموضع فأقمنا في تلك البقعة أياما حتى فني الماء الذي كان معنا وأسقيناه جمالنا ولولا أن جمالنا كانت لبونا لهلكنا وتلفنا عطشا وكان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر ويأمرنا أن نوقد نارا ليهتدي بضوئها إذا أراد الرجوع إلينا.
فمكثنا في تلك البقعة نحو خمسة أيام ووالدي يطلب النهر فلا يجده وبعد الاياس عزم على الانصراف حذرا من التلف لفناء الزاد والماء والخدم الذين كانوا معنا فأوجسوا في أنفسهم خيفة من الطلب فألحوا على والدي بالخروج من الظلمات فقمت يوما من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل قدر رمية سهم ، فعثرت بنهر ماء أبيض
____________________
(١) في نسخة كمال الدين المطبوعة ج ٢ ص ٢٢٠ : « مرة بن يزيد » وهكذا فيما يأتى.