بالنسبة إلى أكثر المعمورة نهارا كما عرفت ، فالنهار في أول الخلق بالنسبة إلى المعمورة التي هي مسكن أشرف الخلق مقدم على الليل. ثم إنه يحتمل أن يكون ذكر هذه المصطلحات التي لم تجر عادتهم عليهمالسلام بذكرها وإجراء الكلام على قواعد النجوم التي نفوها وزيفوها كما ستعلم إنشاء الله إلزاما على الفضل المشهور في تلك الصناعة ، وإظهارا لعلمهم عليهمالسلام بجميع العلوم والاصطلاحات ، وقد يقال : إن تلك الكواكب لما كانت في ابتداء خلق العالم في مواضع مخصوصة مضبوطة عند أهل العلم أخذا عن الانبياء والحجج عليهمالسلام فبعد ما أخذ المنجمون بعض ذلك عنهم زعموا أنها لتلك الخصوصية كانت أحسن مواضع تلك الكواكب فسموها شرفا لها ، ثم سموا المواضع التي تقابلها هبوطالها ، توهما منهم أنها عند كونها فيها هابطة من تلك المنزلة والشرف جدا ، وأما مافات منهم أخذه عن أهل العلم كموضع عطارد مثلا عينوه من عند أنفسهم بخيالات شعرية مذكورة في كتبهم.
ثم إن بعض الناس توهموا أن هذا الحديث مؤيد لكون اليوم من الزوال إلى مثله كما اعتبره المنجمون لسهولة الحساب ، ولا يخفى وهنه على اولي الباب. وبعد اللتيا والتي فدلالة الحديث على حدوث أكثر ما يزعمه الحكماء قديما من أجزاء العالم بين لا يحتاج إلى البيان.
١٨٣ ـ كتاب المحتضر للحسن بن سليمان مما رواه من كتاب الخطب لعبد العزيز بن يحيى الجلودي ، قال : خطب أميرالمؤمنين عليهالسلام فقال : سلوني فإني لا اسأل عن شئ دون العرش إلا أجبت فيه لا يقولها بعدي إلا جاهل مدع أو كذاب مفتر. فقام رجل من جانب (١) مسجده في عنقه كتاب كأنه مصحف وهو رجل آدم ضرب (٢) طوال ، جعد الشعر. كأنه من مهودة العرب ، فقال رافعا صوته لعلي : أيها المدعي ما لا يعلم والمقلد ما لا يفهم! أنا السائل فأجب. فوثب به أصحاب علي وشيعته من كل ناحية فهموا به فنهزهم علي عليهالسلام فقال لهم : دعوه ولا تعجلوه! فإن الطيش
____________________
(١) في بعض النسخ : من مجلسه.
(٢) الادم هو الاسمر ، والضرب بسكون الراء أى الخفيف الظريف.