من جهة القدم بكونه إلها ثالثا واجب الوجود.
إذا تقرر هذا فاعلم أن علة الحاجة إلى الموثر حينئذ يمكن أن تكون هي الامكان لان مصداق مفهوم الامكان حينئذ منحصر في الحوادث ، والفرد المفروض أنه قديم لايصدق عليه الامكان في نفس الامر ، بل من أفراد الممتنع ، لاستلزامه التسلسل المستحيل مطلقا كما سيجيئ ، والممتنع بالذات قد يكون مركبا كالمجموع المركب من الضدين والنقيضين. ويمكن أن تكون علة الحاجة إلى المؤثر هي الحدوث أوالامكان بشرط الحدوث ، وقد ذهب إلى كل منها جماعة ، وأحد الاخيرين هو الظاهر من أكثر الاخبار كما أومأنا إليه في بعضها (١). ومنها حديث الرضا عليهالسلام في علة خلق السماوات والارض في ستة أيام.
ويدل عليه ما روي عن الرضا عليهالسلام أنه دخل عليه رجل فقال : يا ابن رسول الله! ما الدليل على حدوث العالم؟ قال : إنك لم تكن ثم كنت ، وقد علمت أنك لم تكون نفسك ، ولا كونك ، من هو مثلك. فإن الظاهر أن مراد السائل من حدوث العالم إثبات الصانع بناء على التلازم بينهما بقرينة الجواب ، واستدل عليهالسلام بوجود المخاطب بعد عدمه أي حدوثه الزماني على الصانع تعالى (٢).
ومن الدلائل على الحدوث ما يدل على أوليته تعالى ، فإن الاولية
____________________
(١) لم نجد في الاخبار الشريفة ما يدل على المدعى ، وقد عرفت عدم دلالة ما تمسك به لذلك فراجع.
(٢) لاشك انه عليهالسلام استدل من طريق حدوث المخاطب الثابت بالوجدان على وجود الصانع ، لكن من الممكن ان يكون قد استدل بالحدوث على الامكان وبالامكان على وجود الصانع ، واكتفى بذكر الحدوث لوضوح الملازمة بينه وبين الامكان ، فلا يثبت به العكس اعنى ملازمة الامكان مع الحدوث ايضا ، وعلى هذا فلا يستفاد منه ان ملاك الاحتياج إلى المؤثر هو الحدوث او الامكان بشرط الحدوث كما لا يخفى على انه قد ثبت في محله بالبرهان القطعى ان الملاك مجرد الامكان لاغير ، وصريح به المحقق الطوسى في التجريد ، ولو فرض وجود ما ظاهره خلاف ذلك لوجب صرفه عن ظاهره.