الاعتقادية بوجه لا يقبل التأويل أصلا ، كما قال الامام الرازي : لا يمكن الجمع بين الايمان بما جاء به النبي صلىاللهعليهوآله وإنكار الحشر الجسماني ، فإنه قد ورد من القرآن المجيد التصريح به ، بحيث لا يقبل التأويل أصلا.
واقول : لا يمكن الجمع بين قدم العالم والحشر الجسماني أيضا ، لان النفوس الناطقة او كانت غير متناهية على ما هو مقتضى القوم بقدم العالم (١) امتنع الحشر الجسماني عليهم ، لانه لابد في حشرهم جميعا من أبدان غير متناهية ، و أمكنة غير متناهية ، وقد ثبت أن الابعاد متناهية. ثم التأويلات التي يتمحلونها في كلام الانبياء عسى أن يتأتى مثلها في كلام الفلاسفة ، بل أكثر تلك التأويلات من قبيل المكابرات للسوفسطائية ، فإنا نعلم قطعا أن المراد من هذه الالفاظ الواردة في الكتاب والسنة هي معانيها المتعارفة عند أهل اللسان ، فإنا كما لا نشك في أن من يخاطبنا بالاستفسار عن مسألة الجزء الذي لا يتجزألا يريد بذلك الاستفسار عن حال زيد مثلا في قيامه وقعوده ، كذلك لا نشك في أن المراد بقوله تعالى : « قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم » هو هذه المعاني الظاهرة ، لا معنى آخر من أحوال المعاد الروحانى الذي يقول به الفلاسفة!
وبالجملة : فنصوص الكتاب يجب الحمل على ظاهرها ، والتجاوز عن هذا النهج غي وضلال ، والتزامه طريق أهل الكمال « انتهى ».
ولقد أحسن وأجاد ، لكن ما يظهر من كلامه من أن النصوص الواردة في الحدوث قابلة للتأويل البعيد ليس كذلك ، بل إن كان بعضها قابلا فالمجموع يفيد القطع بالمقصود ، ولعله إنما قال ذلك لعدم اطلاعه على نصوص أئمة الهدى عليهمالسلام أو لعدم اعتقاده بها كما هو ظاهر حاله ، وإن أشعر بالتدين بالحق في بعض المواضع. وأما منافاة القول بالقدم مع الحشر الجسماني فإنما يتم لو ذهبوا إلى عدم تناهي
____________________
(١) لا ملازمة بين القول بقدم العالم وبين القول بقدم النوع الانسانى كما لا يخفى ، نعم ظاهر ما حكى عن بعض قدماء الفلاسفة قدم جميع الانواع وانكار الحشر الجسمانى.