ما ذكرنا في جريان هذا الدليل في المتعاقبة في جريان سائر البراهين فيها ، فلا نطيل الكلام بالتعرض لخصوص كل مها.
البرهان الرابع : ما أورده الشيخ الكراجكي في الكنز بعدما أورد برهان التطبيق بوجه مختصر أنيق ، قال : دليل آخر على تناهي ما مضى ، وهو أنه قد مضت أيام وليالي وقفنا اليوم عند آخرها ، فلا يخلو أن تكون الايام أكثر عددا من الليالي ، أو الليالي من الايام ، أو يكونا في العدد سواء ، فإن كانت الايام أكثر من الليالي تناهت الليالي ، لانها أقل منها ، واقتضى ذلك تناهي الايام أيضا ، لبطلان اتصالها قبل الليالي بغير ليال بينها ، فوجب على هذا الوجه تناهيهما معها ، وإن كانت الليالي أكثر من الايام ، كان الحكم فيهما نظير ما قدمنا من تناهي الاول ، فتتناهى الايام لزيادة الليالى عليها ، ويقتضي ذلك تناهي الليالي أيضا لما مر ، فيلزم تناهيهما معها. وإن كانت الايام والليالي في العدد سواء ، كانا بمجموعهما أكثر عددا من أحدهما بانفراده ، وهذا يشهد بتناهيهما ، إذ لو كان كل واحد منهما في نفسه غير متناه ما تصورت العقول عددا أكثر منه ، وقد علمنا أن الايام مع الليالي جميعا أكثر عددا من أحدهما ، وهذا موضح عن تناهيهما. وبهذا الدليل نعلم أيضا تناهي جميع ما مضى من الحركات والسكنات ، ومن الاجتماعات والافتراقات ، ومن الطيور و البيض والشجر والحب وما يجري مجرى ذلك (١) « انتهى ».
ثم اعلم أنه يمكن إبطال ما ادعوه من التسلسل في الامور المتعاقبة بل في غير المرتبة أيضا بوجوه اخرى نذكر بعضها :
الاول أنهم قالوا بالحوادث الغير المتناهية التي كل سابق منها علة معدة للاحق على سبيل الاستغراق ، وأن إيجاد الواجب تعالى لكل منها مشروط بالسابق تحقيقا للاعداد ، وتصحيحا لارتباط الحادث بالقديم ، وأنه تعالى ليس بموجب تام لواحد منها. إذا تقرر هذا فنقول : لو تسلسلت المعدات على ما ذهبوا إليه لاإلى نهاية لزم أن يكون وجوب كل واحد منها وجوبا شرطيا ، بمعنى أنه يجب كل
____________________
(١) يرد على هذا البرهان والبرهان السابق ما يرد على برهان التطبيق فأجد التأمل.