ووجود الواجب سبحانه أمر ثابت لا يتصور فيه شائبة تدريج وانقسام ، فأي مناسبة بينه وبين ما ينتزع منه؟ فجوابه أن ما ادعيت من لزوم تحقق المناسبة بين كل انتزاعي ومنشأ انتزاعه حكم غير بين ولا مبين ، ولئن سلمنا لزومه فهو لا ينحصر فيما نفهمه من الزمان من معنى التجدد والاتصال ، ولعله تتحقق مناسبة ما بينهما من جهة اخرى خفية عن إدراكنا ، وعدم الوجدان لا يعطي العدم ، ألا ترى أن أكثر الانتزاعيات كالزوجية والفردية والفوقية والتحتية وغيرها ينتزع من محالها ولا يحكم وجداننا بتحقق مناسبات تفصيلية كل منتزع وما ينتزع منه ، وذلك إما لعدم لزوم تحققها في الواقع ، أو لعدم اطلاعنا على تفاصيلها ، وأيام ما كان فليكن الامر فيما نحن بصدده كذلك ، على أنه يرد مثل ذلك على الفلاسفة أيضا ، إذ الزمان والحركة بمعنى القطع منتزعان عندهم من الآن السيال والحركة التوسطية مع مباينتهما فيما ذكره المورد من الاوصاف (١).
____________________
(١) لا ريب في عدم ثبوت واسطة بين الوجود والعدم ولا احتمله أحد من الخاصة ، وهذا لعمرى من الواضحات بل البديهيات ، وان تفوه بعض متكلمى العامة بثبوت الواسطة وقال بالاحوال والثابتات! وكيف كان فلا يظن بالمؤلف رحمه الله مخالفته لجميع الاصحاب ، وموافقته للمعتزلة في هذا الباب ، فمعنى ما ذكره من كون الامور الانتزاعية غير موجودة في الخارج ولا معدومة صرفة انها عناوين ذهنية يتوسل بها إلى درك الحقائق الخارجية ، فهى موجودة في الذهن معدومة في الخارج ولا تتعدى حد الذهن ابدا وليست كالماهيات الحقيقية التى تتحد في الخارج مع الوجود الخارجى وفي الذهن مع الوجود الذهنى لكن لها مناشئ انتزاع حقيقة خارجية متناسبة معها ، ولا يمكن انتزاع عنوان من شئ الالاجل تلك المناسبة والا لامكن انتزاع كل شئ من كل شئ ، وكذا لا يمكن للعقل انتزاع عنوان من شئ لا يدرك مناسبته لذلك العنوان لان الانتزاع فعل العقل والعقل انما يفعل ما يدرك ، فلا يكفى فرض مناسبة خفية عن ادراكه وهو بمكان من الوضوح ، وعلى هذا فلو فرض كون الزمان امرا انتزاعيا فلا محيص عن الالتزام بادراك العقل مناسبته مع منشأ انتزاعه ، والمعنى الذى يحكى عنه لفظة « الزمان » هو أمر تدريجى لا يكاد يوجد جزءان منه معا ، فهل له مناسبة الا مع الحركة التى هى أيضا كذلك؟ وهل له مناسبة مع ذات البارئ سبحانه التى لا يتطرق اليها تغير وتدرج ، ونقص وقصور ، وزوال ودثور؟ سبحان الله عما يصفون. وسيأتى من المؤلف ره الاستظهار من روايات كثيرة جدا ان الله تعالى غير مقارن للزمان اصلا ، وان الزمان من المقادير ، وان حدوث العالم ليس بمعنى سبق زمان عليه.