بمثل هذه الذنوب العظام لا تغضب ولا تنتقم منهم لنفسك بما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك! قال : فلما سمع الله تعالى مقالة الملائكة قال : إني جاعل في الارض خليفة ، فيكون حجتي على خلقي في أرضي. فقالت الملائكة : سبحانك ربنا! أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟! فقال الله تعالى : يا ملائكتي إني أعلم ما لا تعلمون ، إني أخلق خلقا بيدي ، وأجعل من ذريته أتبياء ومرسلين وعبادا صالحين ، وأئمة مهتدين ، وأجعلهم خلفائي على خلقي في أرضي ، ينهونهم عن معصيتي ، وينذرونهم من عذابي ، ويهدونهم إلى طاعتي ويسلكون بهم طريق سبيلي ، أجعلهم حجة لي عذرا أو نذرا ، وأنفي الشياطين من أرضي ، وأطهرها منهم ، فاسكنهم في الهواء وأقطار الارض وفي الفيافي فلا يراهم خلقي (١) ، ولا يرون شخصهم ولا يجالسونهم ولا يخالطونهم ولا يؤاكلونهم ولا يشاربونهم وأنفر مردة الجن العصاة من نسل بريتي وخلقي وخيرتي ، فلا يجارون خلقي وأجعل بين خلقي وبين الجان حجابا فلا يري خلقي (٢) شخص الجن ، ولا يجالسونهم ولا يشاربونهم ، ولا يتهجمون تهجمهم ، ومن عصاني من نسل خلقي الذي عظمته واصطفيته لغيبي اسكنهم مساكن العصاة ، واوردهم موردهم ولا ابالي. فقالت الملائكة : لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. فقال للملائكة : إني خالق بشرا من صلصال من حمأمسنون ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعواله ساجدين.
قال : وكان ذلك من الله تقدمة للملائكة قبل أن يخلقه احتجاجا منه عليهم وما كان الله ليغير ما بقوم إلا بعد الحجة عذرا أو نذرا ، فأمر تبارك وتعالى ملكا من الملائكة فاغترف غرفة بيمينه فصلصلها في كفه فجمدت ، فقال الله عزوجل : منك أخلق.
ايضاح : « أشباه خلقهم » أي بالانس ، أو بعضهم ببعض ، أو بالاضافة أي أشباه خلق الجن. « فمرحوا » بالحاء المهملة ، يقال : مرح كفرح أي أشروبطر
____________________
(١ و ٢) في المخطوطة : نسل خلقى.