في مراسيها ، وألزمها قرارتها (١) فمضت رؤسها في الهواء ، ورست اصولها في الماء فأنهد جبالها عن سهولها ، وأساخ قواعدها في متون أقطارها ، ومواضع أنصابها فأشهق قلالها ، وأطال أنشازها ، وجعلها للارض عمادا ، وأرزها فيها أوتادا. فسكنت على حركتها (٢) من أن تميد بأهلها أو تسيح بحملها ، أو تزول عن مواضعها ، فسبحان من أمسكها بعد موجان مياهها ، وأجمدها بعد رطوبة أكنافها ، فجعلها لخلقه مهادا وبسطها لهم فراشا ، فوق بحر لجي راكد لا يجري ، وقائم لا يسري ، تكركره الرياح العواصف ، وتمخضه الغمام الذوارف ، إن في ذلك لعبرة لمن يخشى (٣).
بيان : الاقتدار على الشئ القدرة على ، و « الجبروت » فعلوت من الجبر وهو القهر ، و « البديع » بمعنى المبدع بالفتح ، و « اللطيف » الدقيق. وزخر البحر كمنع أي تملا وارتفع ، و « المتراكم » المجتمع بعضه فوق بعض. وتقاصف البحر تزاحمت أمواجه. وقال ابن أبي الحديد : اليبس بالتحريك المكان يكون رطبا ثم يبس ، قال الله تعالى « فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا » واليبس بالسكون اليابس خلقة ، يقال « حطب يبس » وهكذا يقول أهل اللغة وفيه كلام لان الحطب ليس يابسا خلقة بل كان رطبا من قبل ، والاصوب أن يقال : لا تكون هذه اللفظة محركة إلا في المكان خاصة « انتهي » والجامد ضد الذائب ، والمراد باليبس الجامد : الارض و « الفطر » بالفتح : الخلق والانشاء ، و « الاطباق » بالفتح : جمع « طبق » بالتحريك وهو غطاء كل شئ ، والطبق أيضا من كل شئ ما ساواه. وقوله عليهالسلام « ففتقها » إشارة إلى قوله تعالى « أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما » وقد مرت الوجوه في تفسيرها ، وهذا مما يؤيد بعضها فتذكر. ويدل على حدوث السماوات وكونها اولي (٤) طبقات منفصلة في الحقيقة متصلة في الصورة
____________________
(١) في المصدر : قراراتها.
(٢) في بعض النسخ : عن حركتها.
(٣) نهج البلاغة ، ج ١ ، ٤٢٦.
(٤) في بعض النسخ : أولا.