فلمّا أصبحوا تفرّقوا في الجبال ، وكان فيهم رجلٌ من خزاعة يقال له : أبو كرز يقفو الآثار ، فقالوا له : يا أبا كرز اليوم اليوم. فما زال يقفو أثر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى وقف بهم على باب الحجرة ، فقال : هذه قدم محمد ، هي والله اُخت القدم التي في المقام ، وهذه قدم أبي قحافة أو ابنه ، وقال : ههنا عبر ابن أبي قحافة.
فلم يزل بهم حتّى وقفهم إلى باب الغار وقال لهم : ما جازوا هذا المكان ، إما أن يكونوا صعدوا السماء أو دخلوا الأرض.
وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار ـ وقد ذكرناه فيما قبل (١) ـ قال : وجاء فارسٌ من الملائكة في صورة الإنس فوقف على باب الغار وهو يقول لهم : «اطلبوه في هذه الشعاب ، فليس ههنا». فأقبلوا يدورون في الشعاب.
وبقي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الغار ثلاثة أيام ، ثمّ أذن الله له في الهجرة وقال : «اُخرج عن مكّة يا محمد فليس لك بها ناصرٌ بعد أبي طالب» فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من الغار ، وأقبل راع لبعض قريش يقال له : ابن اُريقط فدعاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال له : «يا ابن اُريقط أءتمنك على دمي؟».
قال : إذاً والله أحرسك وأحفظك ولا أدلّ عليك ، فأين تريد يا محمد؟
قال : «يثرب».
قال : والله لأسكلنّ بك مسلكاً لا يهتدي فيه أحدٌ.
قال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ائت عليّاً وبشّره بأنّ الله قد أذن لي في الهجرة فيهيّئ لي زاداً وراحلة».
__________________
(١) تقدم في صفحة : ٧٩.