بهم الناس.
فخرج رسول الله في طلبهم حتّى بلغ قرقرة الكدر (١) فرجع وقد فاته أبو سفيان ، ورأوا زاداً من أزواد القوم قد طرحوها يتخفّفون منها للنجاء ، فقال المسلمون حين رجع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بهم : يارسول الله ، أنطمع أن تكون لنا غزوة؟ فقال عليهالسلام : «نعم» (٢).
ثمّ كانت غزوة ذي أمّر ، بعد مقامه بالمدينة بقيّة ذي الحجّة والمحرّم ، مرجعه من غزوة السويق ، وذلك لمّا بلغه أنّ جمعاً من غطفان قد تجمّعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف المدينة عليهم رجل يقال له : دعثور بن الحارث ابن محارب ، فخرج في اربعمائة وخمسين رجلاً ومعهم أفراس ، وهرب منه الأعراب فوق ذُرى الجبال ، ونزل صلىاللهعليهوآلهوسلم ذا أمّر وعسكر به ، وأصابهم مطر كثير. فذهب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لحاجته فأصابه ذلك المطر فبلّ ثوبه ، وقد جعل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وادي أمرّ بينه وبين أصحابه ، ثمّ نزع ثيابه فنشرها لتجفّ وألقاها على شجرة ثمّ اضطجع تحتها ، والأعراب ينظرون إلى كلّ ما يفعل رسول الله ، فقالت الأعراب لدعثور ـ وكان سيّدهم وأشجعهم ـ قد أمكنك محمّد وقد انفرد من بين أصحابه حيث إن غوّث بأصحابه لم يغث حتّى تقتله.
فاختار سيفاً من سيوفهم صارماً ، ثمّ أقبل مشتملاً على السيف حتّى قام على رأس رسول الله بالسيف مشهوراً فقال : يا محمّد من يمنعك منّي
__________________
(١) قرقرة الكدر : القرقرة الأرض الملساء ، والكدر جمع أكدر من اللون ، قال الواقدي : بناحية المعدن قريبة من الأرحضية بينها وبين المدينة ثمانية برد. وقال غيره : ماء لبني سليم. «معجم البلدان ٤ : ٤٤١».
(٢) انظر : المغازي للواقدي ١ : ١٨١ ، وسيرة ابن هشام ٣ : ٤٧ ، والطبقات الكبرى ٢ : ٣٠.