فأرخى زمام ناقته ، ومرّت تخبّ (١) به حتّى انتهت إلى باب المسجد الذي هو اليوم ، ولم يكن مسجداً إنّما كان مربداً (٢) ليتيمين من الخزرج يقال لهما : سهل وسهيل ، وكانا في حجر أسعد بن زرارة ، فبركت الناقة على باب أبي أيّوب خالد بن زيد ، فنزل عنها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلمّا نزل اجتمع عليه النّاس وسألوه أن ينزل عليهم ، فوثبت اُمّ أبي أيّوب إلى الرحل فحلّته وأدخلته منزلها ، فلمّا أكثروا عليه قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أين الرّحل؟».
فقالوا : اُمّ أبي أيّوب قد أدخلته بيتها.
فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المرء مع رحله».
وأخذ أسعد بن زرارة بزمام الناقة فحوّلها إلى منزله ، وكان أبو أيّوب لهم نزل أسفل وفوق المنزل غرفة ، فكره أن يعلو رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله بأبي أنت واُمّي العلوّ أحبّ إليك أم السفل؟ فإنّي أكره أن أعلو فوقك.
فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « السفل أرفق بنا لمن يأتينا».
قال أبو أيّوب : فكنّا في العلوّ أنا واُميّ ، فكنت إذا استقيت الدلو أخاف أن تقع منه قطرة على رسول الله ، وكنت أصعد واُمّي إلى العلوّ خفيّاً من حيثلا يعلم ولا يحسّ بنا ، ولا نتكلّم إلاّ خفيّاً ، وكان إذا نام صلىاللهعليهوآلهوسلم لا نتحرّك ، وربّما طبخنا في غرفتنا فنجيّف الباب على غرفتنا مخافة أن يصيب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دخان ، ولقد سقط جرّة لنا
____________
(١) الخبب : ضرب من العدو ، وقيل : هو السرعة ، أي جاءت به تعدو مسرعة. انظر : «لسان العرب ١ : ٣٤١».
(٢) المربد : الموضع الذي تحبس فيه الابل والغنم ، وبه سمي مربد المدينة والبصرة. «النهاية ٢ : ١٨٢».