سبحانه « لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ » (١).
« وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ » موضعه رفع أي وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام ومعناه طلب قسم الأرزاق بالقداح التي كانوا يتفألون بها في أسفارهم وابتداء أمورهم وهي سهام كانت للجاهلية مكتوب على بعضها أمرني ربي وعلى بعضها نهاني ربي وبعضها غفل (٢) لم يكتب عليها شيء فإذا أرادوا سفرا أو أمرا يهتمون به ضربوا تلك القداح فإن خرج السهم الذي عليه أمرني ربي مضى الرجل لحاجته وإن خرج الذي عليه نهاني ربي لم يمض وإن خرج ما ليس عليه شيء أعادوها فبين الله تعالى أن العمل بذلك حرام عن الحسن وجماعة من المفسرين ثم ذكر ما سيأتي عن علي بن إبراهيم ثم قال وقيل هي كعاب فارس والروم التي كانوا يتقامرون بها عن مجاهد وقيل الشطرنج عن سفيان بن وكيع « ذلِكُمْ فِسْقٌ » معناه أن جميع ما سبق ذكره فسق أي ذنب عظيم وخروج عن طاعة الله إلى معصيته عن ابن عباس وقيل إن ذلكم إشارة إلى الاستقسام بالأزلام أي إن ذلك الاستقسام فسق وهو الأظهر انتهى (٣).
وقيل على الأول وسبب التحريم أنه دخول في علم الغيب وضلال باعتقاد أن ذلك طريق إليه وافتراء على الله إن أريد بربي الله وجهالة وشرك إن أريد به الصنم وعلى هذا يفهم منه تحريم الاستخارة المشهورة التي قال الأكثر بجوازها بل باستحبابها وتدل عليه الروايات فلا يكون سبب التحريم ما ذكر بل مجرد النص المخصوص وتكون الاستخارة خارجة عنه بالنص فإن الظاهر أن خصوص ما كانوا يفعلونه من اقتراح أنفسهم لا طريق إليه شرعا والروايات طرق شرعية وحجة بالغة وليس هذا مثل ذلك كذا ذكره بعض المحققين.
__________________
(١) الحج : ٣٧.
(٢) الغفل : ما لا علامة فيه من القداح والدواب وغيرهما.
(٣) مجمع البيان ٣ : ١٥٧ و ١٥٨.