« وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ » قال المحقق الأردبيلي رحمهالله أي لا تحرموا على أنفسكم ما أحل الله لكم ورزقكم ولا تجتنبوا منه تنزها بل كلوا فإن جميع ما رزقكم الله حلال طيب فحلالا حال مبينة لا مقيدة وكذلك طيبا ويحتمل التقييد ويكون سبب التقييد ما تقدم فيما قبل من قوله « لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ » حيث نهى هناك عن تحريم طيبات ما أحل الله أي ما طاب ولذ منه فإنه قيل الظاهر أن قيد طيبات ما أحل الله للوقوع وأنه محل للتحريم وإلا جعل جميع ما أحل الله حراما منهيا ويحتمل أن يكون الإضافة بيانية أيضا وروي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه وصف القيامة لأصحابه يوما وبالغ في إنذارهم فرقوا فاجتمعت جماعة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون واتفقوا على أن لا يزالوا صائمين قائمين وأن لا يأكلوا اللحم ولا يناموا على الفراش ولا يقربوا النساء والطيب ويرفضوا لذات الدنيا ويلبسوا المسوح أي الصوف ويسيحوا في الأرض أي يسيروا فبلغ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك فقال إني لم أؤمر بذلك إن لأنفسكم عليكم حقا فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم فمن رغب عن سنتي فليس مني ، والرواية مشهورة.
أو لأن النفس إليه أميل فهو مظنة التحريم فلا دلالة في الآية على أن الرزق قد يكون حلالا وقد يكون حراما فالحرام أيضا يكون رزقا كما هو معتقد الجهال والعوام الذين يأكلون أموال الناس ويقولون هذا رزقنا الله إياه وهو مقتضى مذهب الأشاعرة وأشار إليه البيضاوي بأنه لو لم يقع الرزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة زائدة وهو خيال باطل إذ ما يحتاج ذكر كل شيء إلى فائدة زائدة مع وجودها وهي هنا الإشارة إلى عدم معقولية المنع بأن ذلك حلال رزقكم الله فلا معنى للتحريم والمنع.
وبالجملة القيد قد يكون للكشف والبيان وقد يكون للإشارة إلى عدم معقولية الاجتناب وأن ذلك الوصف هو الباعث لمذمة التارك وقد يكون لغير ذلك وهنا يكفي الأولان فالآية دلت على عدم جواز التجاوز عن حدود الله والتشريع