تفسير « الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً » يدل على جواز الانتفاع بالأرض على أي وجه كان من السكنى والزراعة والعمارة وحفر الأنهار وإجراء القنوات وغيرها من وجوه الانتفاعات إلا ما أخرجه الدليل.
وقوله « رِزْقاً لَكُمْ » (١) يدل على حلية جميع الثمرات وبيعها وسائر الانتفاعات ولكم صفة رزقا إن أريد به المرزوق ومفعول له إن أريد به المصدر كأنه قال رزقه إياكم ويدل تتمة الآية على وجوب شكر المنعم « هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً » امتن سبحانه على عباده بخلق جميع ما في الأرض لهم وهذا يدل على صحة انتفاعهم بكل ما فيها من وجوه المصالحة إذا خلا عن المفسدة ومنه يستدل على أن الأصل في الأشياء الإباحة إذ هي مباحة لمن خلقت له وقيل الامتنان بخلق الجميع يقتضي حل الجميع وأن لكل شيء منها فائدة ونفعا وما يقال من أن ما لا نفع به كالسم والعقرب وبعض الحشرات خارج عن ذلك ففيه نظر وأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ووجود ضرر في شيء لا يدل على انتفاء النفع فيه ألا ترى أن المأكولات الطيبة تضر المريض غاية المضرة ومن تأمل في حكمته تعالى لم يتجاسر بمثل هذا المقال فلعل المراد أن ليس في الخلق ما هو ضرر محض خال عن النفع بل إنما فيه من جهة ضررا وجهة خلا من ذلك الوجه من المنفعة لا يقع به امتنان من تلك الجهة بل الامتنان من جهة النفع مع الخلو عن الضرر والطيب في بعض الآيات إشارة إلى ذلك كما فسره الطبرسي أن المراد الطاهر من كل شبهة خبث وضرر والله أعلم انتهى.
وقال البيضاوي معنى « لَكُمْ » لأجلكم وانتفاعكم في دنياكم باستنفاعكم بها في مصالح أبدانكم بوسط أو غير وسط أو دينكم بالاستدلال والاعتبار والتعرف بما يلائمها من لذات الآخرة وآلامها فهو يقتضي إباحة الأشياء النافعة ولا يمنع اختصاص بعضها ببعض لأسباب عارضة فإنه يدل على أن الكل للكل لا أن كل
__________________
(١) قوله : « جعل لكم » و « رزقا لكم » وأمثالهما تدل على أن ما في الأرض يعم كل فرد من الإنسان وانهم مشتركون فيه بالسوية على الأصل ، إلا ما اخرج بالدليل.