والأمر في « كُلُوا » للإباحة ولما كان في المأكول ما يحرم وما يحل بين ما يجب أن يكون عليه من الصفة فقال « حَلالاً » وقيل الأمر للوجوب نظرا إلى مراعاة القيد « طَيِّباً » قيل هو الحلال أيضا جمع بينهما لاختلاف اللفظين تأكيدا وقيل ما تستطيبونه وتلذونه في العاجل والآجل وفي الكشاف والجوامع طاهرا من كل شبهة قيل ولا يبعد على تقدير مفعولية « حَلالاً » وحاليته أن يراد بالحلال ما خلا من جهة الحظر بحسب ذاته وأحواله الغالبة والطيب ما خلا من جهة الحظر من كل وجه (١).
وأقول على تقدير حالية الطيب وحمل الأمر على الرجحان الأظهر أن يكون الحلال للاحتراز عن الحرام والطيب للاحتراز عن الشبهات ثم قوله « حَلالاً » إما مفعول كلوا ومن حينئذ ابتدائية أو بيانية وظاهر الكشاف أنها تبعيضية ومنع منه التفتازاني لأن من التبعيضية في موقع المفعول أي كلوا بعض ما في الأرض.
قال فإن قيل لم لا يجوز أن يكون حالا من حلالا قلنا لأن كون من التبعيضية ظرفا مستقرا وكون اللغو حالا مما لا تقول به النحاة وقيل فيه نظر لأن كون من التبعيضية في موضع المفعول ليس معناه أنه مفعول به من حيث الإعراب مغن عن المفعول به بل إنما يتحد مع المفعول به انتهى.
أو حال من المفعول وهو « مِمَّا فِي الْأَرْضِ » فيكون المراد بما في الأرض المأكولات المحللة أو صفة مصدر محذوف أي كلوا أكلا حلالا ومن للتبعيض أو ابتدائية إما كونه مفعولا له أو تميزا كما زعم بعضهم فغير واضح وطيبا مثل حلالا أو صفته.
أقول هذا ما ذكره القوم والأظهر عندي أن حلالا وطيبا للتأكيد لا للتقييد سواء جعلا حالين مؤكدتين أو غيره لأن التقييد مع حمل الأمر على الإباحة كما ذكره الأكثر يجعل الكلام خاليا عن الفائدة إذ حاصله حينئذ أحل لكم ما أحل لكم إذ يجوز لكم الانتفاع بما أحل لكم.
فإن قيل كيف يستقيم هذا مع أنه معلوم أن ما في الأرض مشتمل على
__________________
(١) تفسير الكشاف :.