في الحقيقة باء العوض ، نحو خذ هذا بهذا ، وعد منه قوله تعالى « ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون » (١).
« هؤلاء أولياء الله » فهو استفهام محذوف الاداة ، ويمكن أن يكون خبرا قصد به لازم الحكم ، والتأكيد في قوله « إن أولياء الله » الخ لكون الخبر ملقى إلى السائل المتردد على الاول ، ولكون المخاطب حاكما بخلافه على الثاني ، إن جعل قوله صلىاللهعليهوآله « إن أولياء الله » ردا لقولهم « هؤلاء أولياء الله » أي أولياء الله اناس اخر ، صفاتهم فوق هذه الصفات ، وإن جعل تصديقا لقولهم ، ووصفا للاولياء بصفات اخرى زيادة على صفاتهم الثلاث السابقة ، فالتأكيد لكون الخبر ملقى إلى الخلص الراسخين في الايمان ، فهو رائج عندهم ، متقبل لديهم ، صادر عنه صلىاللهعليهوآله عن كمال الرغبة ، ووفور النشاط ، لانه في وصف أولياء الله بأعظم الصفات ، فكأنه مظنة التأكيد كما ذكره صاحب الكشاف عند قوله تعالى « وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا » (٢).
« فكان سكوتهم ذكرا » أي عند سكوتهم قلوبهم مشغولة بذكرالله ، وتذكر صفاته الكمالية ، وآلائه ونعمائه وغرائب صنعه وحكمته ، وفي رواية المجالس كما أشرنا إليه « فكان سكوتهم فكرا ».
وقال الشيخ البهائي رحمهالله : أطلق على سكوتهم الفكر ، لكونه لازما له غير منفك عنه ، وكذا إطلاق العبرة على نظرهم ، والحكمة على نطقهم ، والبركة على مشيهم ، وجعل صلىاللهعليهوآله كلامهم ذكرا ثم جعله حكمة إشعارا بأنه لايخرج عن هذين ، فالاول في الخلوة ، والثاني بين الناس ، ولك إبقاء النطق على معناه المصدري أي إن نطقهم بما نطقوا به مبني على حكمة ومصلحة.
« فكان مشيهم بين الناس بركة » لان قصدهم قضاء حوائج الناس ، وهدايتهم وطلب المنافع لهم ، ودفع المضار عنهم ، مع أن وجودهم سبب لنزول الرحمة
____________________
(١) النحل : ٣٢.
(٢) البقرة : ١٤.