جسمه لافسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين لمن لايصلح إيمانه إلا بالصحة ولو أسقمته لافسده ذلك أني إدبر عبادي بعلمي بقلوبهم فاني عليم خيبر (١).
بيان : قال الشهيد طاب ثراه في قواعده في حديث القسي : « ماترددت في شئ أنا فاعله » .. فان التردد على الله محال غير أنه لما جرت العادة أن يتردد من يعظم الشخص ويكرمه في مساءته نحو الوالدين والصديق وأن لا يتردد في مساءة من لايكرمه ولا يعظمه كالعدو والحية والعقرب بل إذا خطر بالباب مساءته أوقعها من غير تردد ، فصار التردد لايقع إلا في موضع التعظيم والاهتمام وعدمه لايقع إلا في موضع الاحتقار وعدم المبالاة فحينئذ دل الحديث على تعظيم الله للمؤمن وشرف منزلته عنده فعبر باللفظ المركب عما يلزمه ، وليس مذكورا في اللفظ وإنما هو بالارادة والقصد فكان معنى الحديث حينئذ « منزلة عبدي المؤمن عظيمة ومرتبته » رفيعة فدل على تصرف النية في ذلك كله.
وقد أجاب بعض من عاصرناه عن هذا الحديث بأن التردد إنما هو في الاسباب بمعنى أن الله يظهر للمؤمن أسبابا يغلب على ظنه دنو الوفاة بها ليصير على الاستعداد التام للاخرة ثم يظهر له أسبابا تبسط في أمله فيرجع إلى عمارة دنياه بما لابد منه ، ولما كانت هذه بصورة التردد ( أطلق عليها ذلك استعارة ، وإذ كان العبد المتعلق بتلك الاسباب بصورة المتردد ) أسند التردد إليه تعالى من حيث أنه فاعل للتردد في العبد ، وقيل : إنه تعالى لايزال يورد على المؤمن سبب الموت حالا بعد حال ليؤثر المؤمن الموت فيقبضه مريدا له ، وإيراد تلك الاحوال المراد بها غاياتها من غير تعجيل بالغايات ، من القادر على التعجيل يكون ترددا بالنسبة إلى القادر من المخلوقين فهو بصورة المتردد وإن لم يكن ثم ترددا ويؤيده الخبر المروي عن إبراهيم عليهالسلام لما أتاه ملك الموت ليقبض روحه وكره ذلك أخره الله إلى أن رأى شيخا هيما يأكل ولعابه يسيل على لحيته فاستفظع ذلك وأحب الموت وكذلك موسى عليهالسلام (٢).
٩ ـ ع : السناني ، عن محمد بن هارون ، عن عبيد الله بن موسى الحبال ، عن محمد
____________________
(١) علل الشرائع ج ١ ص ١٢.
(٢) قد كانت النسخة مصحفة جدا صححناها بالعرض على المصدر ص ٢٧٢.