وهم البغداديون منهم إلى أنه قبيح عقلا والسمع أكده ، والبصريون إلى جوازه عقلا وإنما المانع منه السمع ، فمزيل العقاب عندهم منحصر في أمرين أحدهما التوبة والثاني التكفير بالثواب ، وذلك عند من قال بأن التوبة إنما تسقط العقاب لكونه ندما على المعصية ، وأما عند من قال إنه يسقط لكثرة الثواب ، فالمزيل منحصر في أمر واحد هو الاحباط ، فتوهم غير هذا باطل ، ودعوى الاتفاق على العفو من الصغائر عند اجتناب الكبائر ومن الذنوب مطلقا عند التوبة كماوقع من الشارح الجديد للتجريد ، مضمحل عند التحقيق ، كماذكره بعض الافاضل.
قال صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى « إن تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم » نمط ما تستحقونه من العقاب ، في كل وقت على صغائر كم ونجعلها كأن لم تكن لزيادة الثواب المستحق على اجتنابكم الكبائر ، وصبركم عنها ، على عقاب السيئات ، وأما إسقاط التوبة للعقاب ففيه ثلاث مذاهب :
الاول أنها تسقطه على سبيل الوجوب عند اجتماع شرائطها ، لكونها ندما على المعصية ، كما أن الندم على الطاعة يحبطها لكونه ندما عليها ، مع قطع النظر عن استتباعها الثواب والعقاب.
الثاني أنها تسقطه على سبيل الوجوب ، لالكونها ندما عليها ، بل لاستتباعها ثوابا كثيرا.
الثالث أنها لاتسقطه ، وإنما يسقط العقاب عندها ، لانها على سبيل العفو دون الاستحقاق ، وهذه المذاهب مشهورة مسطورة في كتب الكلام.
وأقول : بهذا التفصيل الذي ذكر ارتفع التشنيع واللوم عن محققي أصحابنا رضوان الله عليهم ، بمخالفتهم للايات المتضافرة ، والروايات المتواترة ، وأن الاحباط والتكفير بالمعنى الذي هو المتنازع فيه بين أصحابنا وبين المعتزلة ، نفيهما لاينافي شيئا من ذلك.
وإنما أطنبنا الكلام في هذا المقام لانه من مهمات المسائل الكلامية ، و من تعرض لتحقيقه لم يستوف حقه والله الموفق.