أما بعد فاني اوصيكم بتقوى الله الذي بطاعته ينفع أولياءه ، وبمعصيته يضر أعداءه وإنه ليس لهالك هلك من يعذره في تعمد ضلالة حسبها هدى ، ولاترك حق حسبه ضلالة ، وإن أحق مايتعاهد الراعي من رعيته أن يتعاهدهم بالذي لله عليهم في وظائف دينهم.
وإنما علينا أن نأمركم بما أمركم الله به ، وأن ننهاكم عما نهاكم الله عنه وأن نقيم أمر الله في قريب الناس وبعيدهم لانبالي بمن جاء الحق عليه ، وقد علمت أن أقوى مايتمنون في دينهم الاماني ، ويقولون : نحن نصلي مع المصلين ونجاهد مع المجاهدين ، ونهجر الهجرة ، ونقتل العدو ، وكل ذلك يفعله أقوام.
ليس الايمان بالتحلي ولابالتمني ، الصلاة لها وقت فرضه رسول الله ، لاتصلح إلابه ، فوقت صلاة الفجر حين تزايل المرء ليله ، ويحرم على الصائم طعامه وشرابه ووقت صلاة الظهر إذاكان القيظ حين يكون ظلك مثلك ، وإذاكان الشتاء حين تزول الشمس من الفلك ، وذلك حين تكون على حاجبك الايمن مع شروط الله في الركوع والسجود ، ووقت العصر والشمس بيضاء نقية ، قد رما يسلك الرجل على الجمل الثقيل فرسخين قبل غروبها ، ووقت صلاة المغرب إذاغربت الشمس وأفطر الصائم ، ووقت صلاة العشاء الاخرة حين غسق الليل وتذهب حمرة الافق إلى ثلث الليل ، فمن نام عند ذلك فلا أنا م الله عينه ، فهذه مواقيت الصلاة ، « إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا » (١).
ويقول الرجل : هاجرت ولم يهاجر ، إنما المهاجرون الذين يهجرون السيئات ولم يأتوا بها ، ويقول الرجل : جاهدت ولم يجاهد ، إنما الجهاد اجتناب المحارم ومجاهدة العدو ، وقد يقاتل أقوام فيحبون القتال ، لايريدون إلا الذكر والاجر وإن الرجل ليقاتل بطبعه من الشجاعة فيحمي من يعرف ومن لايعرف ، ويجبن بطبيعته من الجبن فيسلم أباه وامه إلى العدو ، وإنما المثال
___________________
(١) النساء : ١٠٢.