يكون معنى المغفرة على هذا التأويل الازالة والنسخ لاحكام أعدائه من المشركين عليه أي يزيل الله ذلك عنده ، ويستر عليك تلك الوصمة بما يفتح الله لك من مكة فستدخلها فيما بعد ، ولذلك جعله جزاء على جهاده وغرضا في الفتح ووجها له قال ولو أنه أراد مغفرة ذنوبه لم يكن لقوله « إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفرلك الله » معنى معقول ، لان المغفرة للذنوب لاتعلق لها بالفتح ، فلايكون غرضا فيه ، و أما قوله « ماتقدم وماتأخر » فلايمتنع أن يريد به ماتقدم زمانه من فعلهم القبيح بك وبقومك.
الثالث : أن معناه لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك.
الرابع : أن المراد بالذنب هناك ترك المندوب ، وحسن ذلك ، لان من المعلوم أنه صلىاللهعليهوآله ممن لايخالف الاوامر الواجبة ، فجاز أن يسمى ذنبا منه ما لووقع من غيره لم يسم ذنبا لعلو قدره ورفعة شأنه.
الخامس أن القول خرج مخرج التعظيم وحسن الخطاب كماقيل في قوله « عفى الله عنك » (١).
أقول : وقدروى الصدوق في العيون (٢) باسناده ، عن علي بن محمد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليهالسلام فقال له المأمون : يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله أليس من قولك أن الانبياء معصومون؟ قال : بلى ، قال : فما معنى قول الله « ليغفر لك الله ماتقدم من ذنبك وماتأخر » قال للرضا عليهالسلام : لم يكن أحد عند مشركي مكة أعظم ذنبا من رسول الله صلىاللهعليهوآله لانهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما ، فلما جاءهم صلىاللهعليهوآله بالدعوة إلى كلمة الاخلاص كبر ذلك عليهم وعظم قالوا « أجعل الالهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب » إلى قوله « إن هذا إلا اختلاق » (٣) فلما فتح الله تعالى على نبيه مكة قال له يا « محمد إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفرلك الله ماتقدم من ذنبك وماتأخر » عند
___________________
(١) براءة : ٤٣.
(٢) عيون الاخبار ج ١ ص ٢٠٢ (٣) ص : ٥٠.