وإذا وجدتموه يعف عن المال الحرام فرويدا لا يغركم فان شهوات الخلق مختلفة ، فما أكثر من ينبو عن المال الحرام ، وإن كثر ، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة ، فيأتي منها محرما ، فاذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويدا لا يغركم حتى تنظروا ما عقدة عقله فما أكثر من ترك ذلك أجمع ، ثم لا يرجع إلى عقل متين فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله ، فاذا وجدتم عقله متينا فرويدا لا يغركم حتى تنظروا أمع هواه يكون على عقله ، أو يكون مع عقله على هواه ، فكيف محبته للرئاسات الباطلة ، وزهده فيها ، فان في الناس من خسر الدنيا والاخرة يترك الدنيا للدنيا ، ويرى أن لذة الرياسة الباطلة أفضل من لذة الاموال والنعم المباحة المحللة فيترك ذلك أجمع طلبا للرياسة حتى «إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد» (١).
فهو يخبط خبط عشواء يقوده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة ، ويمده ربه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه ، فهو يحل ما حرم الله ، ويحرم ما أحل الله لا يبالي بما فات من دينه ، إذا سلمت له رياسته التي قد شقي من أجلها «فاولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذاب مهينا».
ولكن الرجل كل الرجل نعم الرجل ، الذي جعل هواه تبعا لامر الله وقواه مبذولة في رضى الله ، يرى الذل مع الحق أقرب إلى عز الابد مع العز في الباطل ، ويعلم أن قليل ما يحتمله ، من ضرائها يؤديه إلى دوام النعم في دار لا تبيد ولا تنفد ، وأن كثير ما يلحقه من سرائها إن اتبع هواه يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول ، فذلكم الرجل نعم الرجل ، فبه فتمسكوا ، وبسنته فاقتدوا ، وإلى ربكم به فتوسلوا ، فانه لا ترد له دعوة ، ولا تخيب له طلبة (٢).
٢ ـ لى : عن الصادق عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أسعد الناس من خالط
____________________
(١) اقتباس من قوله تعالى : في البقرة : ٢٠٦.
(٢) احتجاح الطبرسى ص ١٧٥.