واختلاف الخاصة والعامة إليهم. فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ، وما أيسر ما عمروا لك ، فيكف ما خربوا عليك. فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك وحاسبها حساب رجل مسؤول.
وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا ، فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه : «فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الادنى ويقولون سيغفر لنا (١)» إنك لست في دار مقام. أنت في دار قد آذنت برحيل ، فما بقاء المرء بعد قرنائه. طوبى لمن كان في الدنيا على وجل ، يابؤس لمن يموت وتبقى ذنوبه من بعده.
احذر فقد نبئت ، وبادر فقد اجلت ، إنك تعامل من لا يجهل ، وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل ، تجهز فقد دنا منك سفر بعيد ، وداو ذنبك فقد دخله سقم شديد.
ولا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك (٢) لكني أردت أن ينعش الله ما [ قد ] فات من رأيك ، ويرد إليك ما عزب من دينك (٣) وذكرت قول الله تعالى في كتابه : «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (٤)».
أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك وبقيت بعدهم كقرن أعضب (٥).
أنظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت ، أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه ، أم هل تراهم
____________________
(١) سورة الاعراف : ١٦٨.
(٢) عنفه : لامه وعتب عليه ولم يرفق به. وينعش الله مافات أى يجبر ويتدارك.
(٣) عزب ـ بالعين المهملة والزاى المعجمة ـ : بعد.
(٤) سورة الذاريات : ٥٥.
(٥) الاعضب : المسكور القرن. ولعل المراد : بقيت كاحد قرنى الاعضب. والعضباء : الشاة المكسورة القرن.