القناعة باتقاء الحرص (١) وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة ، واستجلب حلاوة الزهادة بقصر الامل ، واقطع أسباب الطمع ببرد اليأس ، وسد سبيل العجب بمعرفة النفس ، وتخلص إلى راحة النفس بصحة التفويض ، واطلب راحة البدن بإجمام القلب (٢) وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخطأ ، وتعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات ، واستجلب نور القلب بدوام الحزن ، وتحرز من إبليس بالخوف الصادق ، وإياك والرجاء الكاذب ، فإنه يوقعك في الخوف الصادق وتزين لله عزوجل بالصدق في الاعمال ، وتحبب إليه بتعجيل الانتقال ، و إياك والتسويف فإنه بحر يغرق فيه الهلكي ، وإياك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب ، وإياك والتواني فيما لا عذر لك فيه ، فإليه يلجأ النادمون ، واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم وكثرة الاستغفار ، وتعرض للرحمة وعفو الله بحسن المراجعة ، واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء والمناجات في الظلم ، و تخلص إلى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق واستقلال كثير الطاعة ، واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر ، وتوسل إلى عظيم الشكر بخوف زوال النعم ، واطلب بقاء العز بإماتة الطمع ، وادفع ذل الطمع بعز اليأس ، واستجلب عز اليأس ببعد الهمة ، وتزود من الدنيا بقصر الامل ، وبادر بإنتهاز البغية (٣) عند إمكان الفرصة ، ولا إمكان كالايام الخالية مع صحة الابدان ، وإياك والثقة بغير المأمون فإن للشر ضراوة كضراوة الغذاء. (٤) واعلم أنه لا علم كطلب السلامة ، ولا سلامة كسلامة القلب ، ولا عقل كمخالفة الهوى. ولا خوف كخوف حاجز ، ولا رجاء كرجاء معين ، ولا فقر
____________________
(١) في بعض النسخ «وانزل ساعة القناعة بانفاء الحرص».
(٢) الجمام ـ بالفتح ـ : الراحة. وأجم نفسه أى أتركها.
(٣) البغية : مصدر بغى الشئ اى طلبه. وانتهاز البغية : اغتنامها والنهوض اليها مبادرا.
(٤) الضراوة : الاعتياد ، مصدر ضرى بالشئ : أى اعتاده.