قوم لم يبق من أكثرهم خبر ولا أثر ، قل في الدنيا لبثهم ، وأعجل بهم إلى الاخرة بعثهم ، وأصبحتم حلولا في ديارهم ، وظاعنين على آثارهم ، والمنايا بكم تسير سيرا مافيه أين ولا بطوء ، نهاركم بأنفسكم دؤوب (١) وليلكم بأرواحكم ذهوب ، وأنتم تقتفون من أحوالهم حالا ، وتحتذون من أفعالهم مثالا ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا فانما أنتم فيها سفر حلول ، والموت بكم نزول ، فتلتضل فيكم مناياه ، وتمضي بكم مطاياه ، إلى دار الثواب والعقاب ، والجزاء والحساب ، فرحم الله من راقب ربه ، و خاف ذنبه ، وجانب هواه ، وعمل لاخرته ، وأعرض عن زهرة الحياة الدنيا.
٧٧ ـ وقال عليهالسلام : كأن قد زالت عنكم الدنيا كما زالت عمن كان قبلكم فأكثروا عباد الله اجتهادكم فيها بالتزود من يومها القصير ليوم الاخرة الطويل.
فإنها دار العمل ، والدار الاخرة دار القرار والجزاء ، فتجافوا عنها فان المغتر من اغتربها ، لن تعد الدنيا إذا تناهت إليها امنية أهل الرغبة فيها ، المطمئنين إليها المغترين بها أن تكون كما قال الله تعالى : (٢) «كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام» ألا إنه لم يصب امرء منكم من هذه الدنيا حبرة إلا أعقبتها عبرة ، ولا يصبح امرء في حياة إلا وهو خائف منها أن تؤول جائحة أو تغير نعمه أو زوال عافيته ، والموت من وراء ذلكم ، وهول المطلع ، والوقوف بين يدي الحكم العدل لتجزى كل نفس بما كسبت ويجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
٧٨ ـ وقال عليهالسلام : مالكم والدنيا فمتاعها إلى انقطاع ، وفخرها إلى وبال ، وزينتها إلى زوال ، ونعيمها إلى بؤس ، وصحتها إلى سقم أو هرم ، ومآل ما فيها إلى نفاد وشيك (٣) وفناء قريب ، كل مدة فيها إلى منتهى ، وكل حي فيها إلى مقارنة البلى ، أليس لكم في آثار الاولين وآبائكم الماضين عبرة وتبصرة إن كنتم تعقلون ، ألم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون ، وإلى الخلف الباقين ، منكم
____________________
(١) الاين : الحين ، والتعب والمشقة والاعياء. والدؤوب : الجدو التعب.
(٢) يونس : ٢٦.
(٣) الوشيك السريع.