لا يبقون ، أولستم ترون أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى ميت يبكى وآخر يعزى ، وصريع مبتلى ، وعايد يعود ، ودنف بنفسه يجود (١) وطالب للدنيا والموت يطلبه ، وغافل وليس بمغفول عنه ، على أثر الماضي يمضى الباقي وإلى الله عاقبة الامور.
٧٩ ـ وقال عليهالسلام : انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها فإنها عن قليل تزيل الساكن وتفجع المترف (٢) فلا تغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم منها ، فرحم الله امرءا تفكر واعتبر ، وأبصر إدبار ما قد أدبر ، وحضور ما قد حضر فكان ما هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن ، وكأن ما هو كائن من الآخرة لم يزل وكل ما هو آت قريب ، فكم من مومل مالا يدركه ، وجامع مالا يأكله ، ومانع مالا يتركه ، ولعله من باطل جمعه ، أو حق منعه ، أصابه حراما ، وورثه عدوانا ، فاحتمل ما ضره ، وباء بوزره (٣) وقدم على ربه آسفالا لاهفا خسر الدنيا والاخرة وذلك هو الخسران المبين.
٨٠ ـ وقال عليهالسلام : الدنيا مثل الحية لين مسها ، قاتل سمها فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها ، وكن آنس ما يكون إليها أوحش ما تكون منها (٤) فإن صاحبها كلما اطمئن منها ، إلى سرور أشخصته إلى مكروه ، فقد يسر المرء بما لم يكن ليفوته وليحزن لفوات مالم يكن ليصيبه أبدا وإن جهد ، فليكن سرورك بما قدمت من عمل أو قول ، ولتكن أسفك على ما فرطت فيه من ذلك ، ولا تكن
____________________
(١) الصريع : المطروح على الارض. والدنف : المريض. وجاد بنفسه أى سمح بها عند الموت فكانه يدفعها كما يدفع الانسان ماله.
(٢) المترف ـ كمكرم ـ : المتروك بنعمته يصنع فيها ما يشاء ولا يمنع.
(٣) باء يبوء اليه : رجع وباء بالحق أو بالذنب : أقر.
(٤) آنس حال و «ما» مصدرية وخبر كان احذر اى كن حال انسك بها أحذر اكوانك منها. وقوله «فان صاحبها ـ الخ» أى ان سكون صاحبها الي اللذة بها مستلزم العذاب المكروه في الاخرة.