وطاشت حلومهم وذهلت عقولهم (١) فاذا استفاقوا من ذلك بادروا إلى الله بالاعمال الزاكية ، لا يرضون بالقليل ، ولا يستكثرون الكثير ، فهم لانفسهم متهمون ، ومن أعمالهم مشفقون ، إن زكي أحدهم خاف الله وغايلة التزكية (٢) قال : وأنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم بي مني ، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني كما يظنون ، واغفرلي مالا يعلمون.
ومن علامات أحدهم أن يكون له حزم في لين ، وإيمان في يقين ، وحرص في تقوى ، وفهم في فقه ، وحلم في علم ، وكيس في رفق ، وقصد في غنى ، وخشوع في عبادة وتحمل في فاقة ، وصبر في شدة وإعطاء في حق ، وطلب لحلال ، ونشاط في هدى ، وتحرج عن طمع ، وتنزه عن طبع ، وبر في استقامة ، واعتصام بالله من متابعة الشهوات ، واستعاذة به من الشيطان الرجيم ، يمسي وهمه الشكر ، ويصبح وشغله الفكر (٣) اولئك الامنون المطمئنون الذين يسقون من كأس لا لغو فيها ولا تأثيم (٤)
٩٠ ـ وقال عليهالسلام : المؤمنون هم الذين عرفوا أمامهم ، فذبلت شفاههم وغشيت عيونهم ، وشحبت ألوانهم (٥) حتى عرفت في وجوههم غبرة الخاشعين. فهم عبادالله الذين مشوا على الارض هونا ، واتخذوها بساطا ، وترابها فراشا ، فرفضوا الدنيا وأقبلوا على الاخرة على منهاج المسيح بن مريم ، إن شهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، وإن مرضوا لم يعادوا ، صوام الهواجر ، قوام الدياجر (٦)
____________________
(١) وجف الشئ اضطرب ، والقلب : خفق. وطاش أى ذهب عقله. والحلوم جمع حلم وهو العقل. والذهول. النيسان والغيبة.
(٢) الغائلة الداهية والفساد والمهلكة. وغائلة التزكية عطف على «الله» يعنى خاف الله أولا وغائلة التزكية ثانيا.
(٣) في بعض النسخ «يمسى وهمته الشكر ويصبح وشغله الذكر».
(٤) أثمه من باب التفعيل نسبه إلى الاثم.
(٥) شحبت لونه : تغير من جوع أو مرض ونحوهما.
(٦) الهواجر جمع الهاجرة وهى شدة حرارة النهار. والديجور : الظلام.