يشربون مسكرا. قلت : جعلت فداك فأين أطلبهم؟ قال عليهالسلام : على رؤوس الجبال وأطراف المدن. وإذا دخلت مدينة فسل (١) عمن لا يجاورهم ولا يجاورونه فذلك مؤمن كما قال الله : «وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى (٢)» والله لقد كان حبيب النجار وحده.
يا ابن جندب كل الذنوب مغفورة سوى عقوق أهل دعوتك ، وكل البر مقبول إلا ما كان رئاء.
يا ابن جندب أحبب في الله وابغض في الله ، واستمسك بالعروة الوثقى ، واعتصم بالهدى يقبل عملك فإن الله يقول : «وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى (٣)» فلا يقبل إلا الايمان ، ولا إيمان إلا بعمل ، ولا عمل إلا بيقين ، ولا يقين إلا بالخشوع وملاكها كلها الهدى ، فمن اهتدى يقبل عمله وصعد إلى الملكوت متقبلا «والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (٤)».
يا ابن جندب إن أحببت أن تجاور الجليل في داره ، وتسكن الفردوس في جواره فلتهن عليك الدنيا ، واجعل الموت نصب عينك ، ولا تدخر شيئا لغد ، و اعلم أن لك ما قدمت وعليك ما أخرت.
يا ابن جندب من حرم نفسه كسبه فإنما يجمع لغيره ، ومن أطاع هواه فقد أطاع عدوه ، من يثق بالله يكفه ما أهمه من أمر دنياه وآخرته ويحفظ له ما غاب عنه. وقد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا ولكل نعمة شكرا ، ولكل عسر يسرا ، صبر نفسك عند كل بلية في ولد أو مال ، أو رزية (٥) فانما يقبض عاريته ويأخذ
____________________
(١) الظاهر أن مراده عليهالسلام في دولة الفسق وزمن الكفر.
(٢) يس : ١٩.
(٣) طه : ٨٤. وفى المصدر : الا من آمن وعمل صالحا ثم اهتدى ».
(٤) البقرة : ٢١٠.
(٥) الرزية : المصيبة أصله من رزأ أى أصاب منه شيئا ونقض. وفى بعض النسخ « أو ذرية» وهى الصواب.