يا هشام المتكلمون ثلاثة : فرابح وسالم وشاجب (١) فأما الرابح فالذاكر لله. وأما السالم فالساكت. وأما الشاجب فالذي يخوض في البال ، إن الله حرم الجنة على كل فاحش بذي ، قليل الحياء ، لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه ، وكان أبوذر ـ رضياللهعنه ـ يقول : «يا مبتغي العلم إن هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شر ، فاختم على فيك كما تختم على ذهبك وورقك».
يا هشام بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يطري أخاه إذا شاهده (٢) ويأكله إذا غاب عنه ، إن أعطي حسده وإن ابتلي خذله ، إن أسرع الخير ثوابا البر. وأسرع الشر عقوبة البغي ، وإن شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه ، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم.
ومن حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه.
ياهشام لا يكون الرجل مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا ، ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو.
ياهشام قال الله عزوجل : عزتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي وعلوي في مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا جعلت الغنى في نفسه ، وهمه في آخرته ، وكففت [ عليه ] ضيعته (٣) وضمنت السماوات والارض رزقه ، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر (٤).
يا هشام الغضب مفتاح الشر. وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وإن خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحدا منهم إلا من كانت يدك عليه العليا (٥) فافعل.
____________________
(١) الشاجب : الهذاء المكثار أى كثير الهذيان وكثير الكلام. وأيضا الهالك. و هو الانسب.
(٢) أى يحسن الثناء وبالغ في مدحه اذا شاهده ، ويعيبه بالسوء ويذمه اذا غاب.
(٣) الضيعة ـ بالفتح ـ : حرفة الرجل وصناعته وفى بعض النسخ «صنعته».
(٤) أى مضافا على ربح تجارتهم. (٥) اليد العلياء : المعطية المتعففة.