وتعالى عن اتخاذ صاحبة وأولاد ، هوالباقي بغير مدة ، والمنشئ لا بأعوان ، لا بآلة فطر ، ولا بجوارح صرف ماخلق ، لا يحتاج إلى محاولة التفكير ، ولا مزاولة مثال ولا تقدير ، أحدثهم على صنوف من التخطيط والتصوير ، لا بروية ولا ضمير ، سبق علمه في كل الامور ، ونفذت مشيته في كل ما يريد في الازمنة والدهور ، وانفرد بصنعة الاشياء فأتقنها بلطائف التدبير ، سبحانه من لطيف خبير ، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.
١١٧ ـ كتاب الغارات (١) لابراهيم بن محمد الثقفي ، عن عبدالرحمن بن نعيم عن أشياخ من قومه إن عليا عليهالسلام كان كثيرا ما يقول في خطبته : أيها الناس إن الدنيا قد أدبرت وآذنت أهلها بوداع ، وإن الاخرة قد أقبلت وآذنت باطلاع ، ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا ، ألا وإن السبق الجنة ، والغاية النار ، ألا وإنكم في إيام مهل من ورائه أجل يحثه عجل ، فمن عمل في أيام مهله قبل حضور أجله نفعه عمله ، ولم يضره أمله ، ألا وإن الامل يسهي القلب ويكذب الوعد ويكثر الغفلة ويورث الحسرة ، فاعزبوا عن الدنيا (٢) كاشد ما أنتم عن شئ تعزبون ، فإنها من ورود صاحبها منها في غطاء معنى ، وافزعوا إلى قوام دينكم بإقامة الصلاة لوقتها و أداء الزكاة لاهلها (٣) والتضرع إلى الله والخشوع له ، وصلة الرحم ، وخوف المعاد وإعطاء السائل ، وإكرام الضيف ، وتعلموا القرآن واعملوا به ، واصدقوا الحديث وآثروه ، وأوفوا بالعهد إذا عاهدتم وأدوا الامانة إذا ائتمنتم ، وارغبوا في ثواب الله وخافوا عقابه فاني لم أر كالجنة نام طالبها ، ولا كالنار نام هاربها ، فتزودوا من الدنيا ما تحوزوا به أنفسكم غدا من النار ، واعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز أهل الخير بالخير.
____________________
(١) مخلوط.
(٢) عزب : بعد وغاب وخفى.
(٣) في بعض النسخ «أداء الزكاة لمحلها».