فمثلت ببلائها البلى ، وشوقت بسرورها إلى السرور ، تخويفا وترغيبا فابتكرت بعافية ، وراحت بفجيعة ، فذمها رجال فرطوا غداة الندامة ، وحمدها آخرون اكتسبوا فيه الخير ، فيا أيها الذام للدنيا ، المغتر بغرورها! متى استذمت إليك أو متى غرتك؟ أم بمضاجع آبائك من البلى ، أم بمصارع امهاتك تحت الثرى ، كم مرضت بيديك ، وعالجت بكفيك ، تلتمس لهم الشفاء ، وتستوصف لهم الاطباء ، لم تنفعهم بشفاعتك ، ولم تسعفهم في طلبتك ، مثلت لك ـ ويحك ـ الدنيا بمصرعهم مصرعك ، و بمضجعهم مضجعك ، حين لا يغني بكاؤك ، ولا ينفعك أحباؤك.
ثم التفت إلى أهل المقابر فقال : يا أهل التربة ، ويا أهل القربة أما المنازل فقد سكنت ، وأما الاموال فقد قسمت ، وأما الازواج فقد نكحت ، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ ثم أقبل على أصحابه فقال : والله لو أذن لهم في الكلام لاخبروكم أن خير الزاد التقوى.
١١٥ ـ ما (١) عن جماعة ، عن أبي المفضل ، عن عبيد الله بن الحسين العلوي ، عن محمد بن علي بن حمزة العلوي ، عن أبيه ، عن الرضا ، عن آبائه عليهمالسلام قال : قال أميرالمؤمنين عليهالسلام : الهيبة خيبة (٢) والفرصة خلسته ، والحكمة ضالة المؤمن فاطلبوها ولو عند المشرك تكونوا أحق بها وأهلها.
١١٦ ـ ما (٣) عن أحمد بن محمد بن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن محمد بن عيسى الضرير ، عن محمد بن زكريا المكي ، عن كثير بن طارق ، عن زيد ، عن أبيه علي ابن الحسين عليهماالسلام قال : خطب علي بن أبي طالب عليهالسلام بهذه الخطبة في يوم الجمعة فقال : الحمد لله المتوحد بالقدم والازلية الذي ليس له غاية في دوامه ، ولا له أولية ، أنشأ صنوف البرية لا عن اصول كانت بدية (٤) وارتفع من مشاركة الانداد
____________________
(١) الامالى ج ٢ ص ٢٣٧ و ٢٣٨.
(٢) يعنى من تهيب أمرا خاب من ادراكه. والخلسة ـ بضم الخاء ـ : الفرصة المناسبة وفى المثل «الخلسة سريعة الفوت بطيئة العود» ويأتى نظيره عن قريب.
(٣) الامالى ج ٢ ص ٣١٥. (٤) البدء والبديئة : اول الحال والنشأة.