واستقرب في المنتهى اعتبار القبلة ههنا ، وحمل الرواية عليها ، ويفهم منه أن الفعل الكثير قادح في النوافل أيضا وهو ظاهر إطلاقاتهم ، وقد تردد فيه بعض المتأخرين نظرا إلى مادل على اختلاف حكم الفريضة والنافلة ، ووقوع المساهلة التامة فيها مثل فعلها جالسا وراكبا وماشيا إلى غير القبلة ، وبدون السورة ، والاحوط عدم إيقاع مالم يرد فيه نص بالخصوص.
ومنها البكاء للامور الدنيوية كذهاب مال أو فوت محبوب ، ذهب الشيخان وجماعة إلى بطلان الصلاة به ، ولا يعلم فيه مخالف من القدماء ، وتوقف فيه بعض المتأخرين لضعف مستنده ، واجيب أن ضعفه منجبر بالشهرة ، والاحوط الاجتناب وهذا إذا كان البكاء لامور الدنيا ، وأما البكاء خشية من الله تعالى أو حبا له أو ندامة على ما صدر منه من الزلات فهو من أعظم القربات كما يدل عليه الروايات (١).
ثم اعلم أن الاصحاب أطلقوا البكاء للامور الدنيوية ، وهو يشتمل ما إذا كان لطلبها أيضا والظاهر أنه أيضا من الطاعات كلها يظهر من الاخبار فالاصوب تخصيصه بالبكاء لفقدها كما ورد في الخبر (٢) حيث قال : سألت أبا عبدالله عليهالسلام عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال : إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الاعمال في الصلاة ، وإن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة ، حيث خص البطلان بما هو من قبيل فقد شئ.
فان قيل : مفهوم الجزء الاول من الخبر يدل على أن مالم يكن من الامور الاخروية يكون مبطلا ، قلت : مفهومه يدل على أن مالم يكن كذلك ليس أفضل الاعمال وعدم كونه كذلك لايستلزم الابطال.
____________________
(١) هذا اذا كان البكاء من دون صوت ، أعنى بخروج الدمع فقط وأما اذا كان مع الصوت فهو فعل مناف لافعال الصلاة ، وتعمده مبطل لها ، فالبكاء مع الصوت كالقهقهة والبكاء من دون صوت بسيلان الدمع كالتبسم.
(٢) التهذيب ج ١ ص ٢١٨.