الشأن ربنا ما خلقت هذا عبثا « سبحانك » اي ننزهك من فعل العبث تنزيها.
« فقنا عذاب النار » ولما كان خلق هذه الاشياء لحكم ومصالح ، منها أن يكون سببا لمعاش الانسان ودليلا يدله على معرفة الصانع ، ويحثه على طاعته ، والقيام
____________________
عليه ، ولا فائدة تستعقبه ، ولا يتصور له غاية تراد منه ، بل يوجد بحقيقة صورية يشبه الحق ثم يضمحل ويهلك كأن لم يكن شيئا مذكورا.
وهذا كاللهو واللعب : يلهو الصبى ويلعب لاجل اللهو واللعب ويعمل عملا كأعمال العقلاء يتشبه بهم من دون عائدة يستحصلها ولا غاية ينتهى اليها ، كما قد يلهو الرجل العاقل ويلعب عبثا من دون أن يقصد بعمله فائدة ، دفعا للوقت أو تصابيا وتفننا والجنون فنون.
هذا هو الباطل ، وأما خلق السموات والارض بما فيها من العظمة والبهاء ، بما فيها من النظام الدائم الجارى ، بما فيها من أنواع الحيوان وأصناف البشر ، بما قدر فيها من الارزاق والاقوات ، بما جعل فيها من تعاقب الليل والنهار وما في تعاقبهما واختلافهما من مصالح الحياة واستدامتها على وجه الارض لا يشبه اللهو الباطل ، فسبحان باريها ومبدعها أن يكون لاهيا في ذلك لاعبا ، أو يترك الانسان على أرجائها سدى يرتع ويلعب من دون أن يبين لهم ما يتقون.
فاذا عرف الناظر ذواللب أن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار غاية أرادها مبدعها ، وأن تلك الغاية ايا ما كان لم تستكمل بعد ، والا لما استدام خالقها على ابقائها ، علم بذلك أن لا بد للسموات والارض وبقائهما من أجل مسمى يستكمل عنده الغاية وان لم يعرف حقيقة تلك الغاية بنفسه ، ولادرى كيف يأتى أجلها ولا أيان مرساها.
فعند ذلك ينجذب هذا الناظر المتفكر إلى مبادئ الوحى والالهام ، ويصغى بسمع قلبه إلى دعوى النبيين عن الله عزوجل ليعرف من مقالهم ومقال كتب الله المنزلة عليهم حقيقة تلك الغاية ، والغرض من خلق الحياة والموت ، فيصرخ الصارخ في صماخه أن اليوم المضمار وغدا السباق ، والسبق الجنة ، والغاية النار ، هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور.