النسخ عززت وجللت ، وهو أظهر « إن الله اشترى » (١) قيل حقيقة الاشتراء لا يجوز عليه ، لان المشترى إنما يشترى ما لا يملك وهو تعالى مالك الاشياء كلها لكنه مثل قوله سبحانه : « من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا » (٢) في أنه تعالى ذكر لفظ الشراء القرض تلطفا لتأكيد الجزاء (٣) ولما كان سبحانه ضمن الثواب على نفسه
____________________
(١) براءة : ١١١.
(٢) البقرة : ٢٤٥ ، الحديد : ١١.
(٣) بل ذكر الاشتراء حقيقة لا مجازا ، ولا ينافى ذلك ملكه للنفوس والاموال ، فان الله عزوجل قد ملك النفوس الاموال تكوينا وانما خير كل نفس ما يفعله في نفسه وماله تشريعا واختبارا ، وكلفهم في أنفسهم وأموالهم بمارضى منهم ولهم ومن ذلك التكليف والاختبار : اشتراء أموالهم وأنفسهم بأن لهم الجنة ترغيبا في الطاعة.
فالمعاملة تشريعية عرفية ، وان كان رأس المال مملوكا للمشترى تكوينا.
فكما قد يكاتب الرجل عبده المملوك الذى لا يملك لنفسه شيئا ، بأنه ان أدى اليه كذا وكذا فهو حر ، أو يضاربه بأنه ان أدى اليه كل يوم ثلاث دراهم فلا عليه بعد ذلك ان استراح ولم يعمل عمله ، يصح عرفا أن يعامل المولى الحقيقى مع عباده تكليفا واختبارا ويجعل لهم سبقا ترغيبا في الطاعة.
وكما لا يجوز للمولى أن يرجع في عقد كتابته ومضاربته ويتعلق بأن العبد وما في يده كان لمولاه ، ولو تحامل على عبده واستنقذ ما في يديه من دون أن يحرره بعد أداء مال الكتابة أو ألجأه إلى العمل بعد توفيته كل يوم ثلاث دراهم كان ذلك مذموما عقلا ، فهكذا بالنسبة إلى الله عز وجلا وعباده المملوكين.
وبهذا البيان يندفع ما قالته المتكلمون من أن الجزاء بالتفضل لا بالاستحقاق ، فان الاستحقاق انما كان بعد التعامل وبسببه ، لا بنفس العمل.
فلو كان الله عزوجل أمر عباده
بالتكاليف ولم يعين لكل عمل من أعمال الخير المأمور
بها جزاء ، ثم تعبد الناس وأطاعوه في أوامره لم يكن لهم جزاء استحقاق ، وكان ما
أعطاهم