ولا تمدوا أعينكم فيها إلى ما متع به المترفون ، وأضروا فيها بأنفسكم فان ذلك أخف للحساب وأقرب من النجاة.
ألا وان الدنيا قد تنكرت وأدبرت وآذنت بوداع ، ألا وان الاخرة قد أقبلت وأشرفت ونادت باطلاع ، ألا ان المضمار اليوم وغدا السباق ، ألا ان السبقة الجنة والغاية النار ، أفلا تائب من خطيئته قبل هجوم منيته ، أولا عامل لنفسه قبل يوم فقره وبؤسه ، جعلنا الله واياكم ممن يخافه ويرجوا ثوابه.
ألا وان هذا اليوم يوم جعله الله عيدا وجعلكم له أهلا ، فاذكروا الله يذكركم وكبروه وعظموه وسبحوه ومجدوه وادعوه يستجب لكم ، واستغفروه يغفر لكم وتضرعوا وابتهلوا وتوبوا وأنيبوا وأدوا فطرتكم فانها سنة نبيكم ، وفريضة واجبة من ربكم ، فليخرجها كل امرئ منكم عن نفسه وعن عياله كلهم ، ذكرهم وانثاهم صغيرهم وكبيرهم وحرهم ومملوكهم ، يخرج عن كل واحد منهم صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو نصف صاع من بر (١) من طيب كسبه طيبة بذلك نفسه.
عباد الله! وتعاونوا على البر والتقوى ، وتراحموا وتعاطفوا وأدوا فرائض الله عليكم فيما أمركم به من إقامة الصلوات المكتوبات ، وأداء الزكواة ، وصيام شهر رمضان ، وحج البيت الحرام ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والاحسان إلى نسائكم وما ملكت أيمانكم ، واتقوا الله فيما نهاكم عنه ، وأطيعوه في اجتناب قذف المحصنات ، وإتيان الفواحش ، وشرب الخمر ، وبخس المكيال ، ونقص الميزان ، وشهادة الزور ، والفرار من الزحف ، عصمنا الله واياكم بالتقوى ، وجعل الاخرة خيرا لنا ولكم من هذه الدنيا.
ان أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كلام الله تعالى ، أعوذ بالله من الشيطان
____________________
(١) في الفقيه ج ١ ص ٣٢٧ « عن كل انسان منهم صاعا من برأ وصاعا من تمر أوصاعا من شعير » وهو المذهب ، وأما تقدير نصف صاع من البر بصاع من شعير ، فهو من بدع معاوية أو عثمان على ما تراه في كتاب الزكاة ج ٩٦ ص ١٠٥ ١١٠.