عند متقدمي السلف ، مشهود بينهم ، وسائر الفقهاء لا يخالفون في هذا ، غير أن بعضهم كان يرىٰ أنّ التأدب مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقتضي أن لا يدنو الزائر من قبره كثيراً ، بل يقف أمامه علىٰ فاصلة ، بكل إجلال ، كما لو كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قائماً أمامه ، وهو رأي لا نكارة فيه لمن يرىٰ هذا من التأدّب ، وهو بعد لم يستند إلىٰ أدلّة تجعل منه السنّة الثابتة في الزيارة ، إنّ القائلين به أيضاً كانوا يستثنون من غلبته شدّة الشوق ، فقبل القبر أو المنبر ، أو رمىٰ بنفسه عليهما ، ولا ريب أنّ بعض أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كانوا يصنعون معه مثل هذا في حياته في حالات الشوق الشديد الذي لا يمتلك معه المرء نفسه ، وقد كان ذلك ممّا يبعث في نفسه الشريفة الارتياح ، ويزيده لهم محبّة ، وعليهم رحمة وشفقة.
كما اتفقوا أيضاً علىٰ أنّ من فعل ذلك لغرض التبرك وحده ، فلا بأس به ، ولا نكارة عليه.
وإنّما كرهوا أن يكون ذلك تصنّعاً ، وأن يتخذه المرء عادةً وسنّةً ، دون أن يكون ذلك مصحوباً بشوق حقيقي. وهو المستفاد مما نسب إلىٰ الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهماالسلام ـ علىٰ فرض صحَّة إسناده ـ وقد رأىٰ رجلاً يفعل ذلك مراراً وفي كل يوم ، فقال له : « ما يحملك علىٰ هذا ؟ ».
قال : أُحبُّ التسليم علىٰ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فقال له زين العابدين عليهالسلام : « هل لك أن أحدّثك عن أبي ؟ ».
قال : نعم.
قال عليهالسلام
: «
حدّثني أبي ، عن جدّي ، أنّه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تجعلوا قبري عيداً ، ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً ، وصلّوا عليّ وسلّموا حيث ما كنتم ،