وِزْرَ أُخْرَىٰ ) (١) ، ويقول : ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (٢) ، ويقول كذلك : ( وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ) (٣) ، فالميت إذا مات انقطع عمله ، نعم إذا سنّ سنّة حسنة كما ورد أو أحدث بدعة يبقى له الأجر أو عليه الوزر ، أمّا أن أبكي أنا على ميّت ويلحقه هو العذاب ، فليس هذا من المنطق ولا من العدل في شيء.
وبقدر ما أعجبني هذا المنطق الذي يتكلّم به صديقي ، إلاّ أنّني كنت أشعر بهزيمة أخرى ، فما زالت أحجار بنائي تنقضّ وتتهدّم الواحدة تلو الأخرى.
قلت في نفسي : صحيح ما ذنب الميّت ؟!
ورجعت بي ذاكرتي إلى أيام طفولتي حيث كانت تخرج جنائز لأقارب لي أو جيران فكان صراخ النسوة يعلو ويشتدّ حتّى أنّ بعضهنّ تشقّ ثيابها وتخدش خدّيها حتّى تسيل الدماء ، وما زلت أذكر تلك الصورة المرعبة التي كانت عليها خالتي عندما ماتت جدّتي ، حيث سال الدّم من وجهها إلى الأرض ، وظلّت آثار تلك الخدوش إلى شهور بعد ذلك باقية في وجهها ، وكان بعض الرجال يصيحون أمام حالة الصياح بكلام غاضب يدعوهنّ إلى الكفّ عن الصياح والبكاء قائلين : لقد أحرقتم الميّت ، ارحموه ، وكنت وأنا صبيّ أشفق على ذلك الميت وأقول : إنّ صياح أهله هو بمثابة البنزين الذي يُسكب ، بل هو وقود النار التي ستحرقه.
_____________________
١) سورة فاطر : ١٨.
٢) سورة المدثر : ٣٨.
٣) سورة العاديات : ١٠.