كما حدثني بعض المؤمنين أنّه شهد جنازة امرأة جيء بها إلى الحرم النبوي الشريف ، وعند الخروج بها إلى البقيع وإذا بطفل أحسبه ابن تلك المرأة ـ يقول محدّثي ـ تخرج من عينيه دمعتان أفلتتا رغماً عنه ، فجاءه رجل جِلف وصفع ذلك الطّفل المسكين ، قائلاً له بعد أن أكّد له رجولته : تعذّب أمّك ؟!
قال صديقي مسترسلاً : ثمّ لو صحّ هذا الحديث ، فعليه يكون رسول الله أوّل من خالفه عندما بكى بكاء شديدا على ابنه إبراهيم الصغير (١) ، حيث بكى صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أن ابتلّت لحيته الكريمة ، وكذلك بكى على عمّه حمزة بكاء مرّا وتأثر من قلّة البواكي عليه.
وكذلك بكى الصحابة على رسول الله بكاء لم يبكه أحد من العالمين.
وإنّ البكاء في نفسه ممدوح (٢) خاصّة إذا كان من خشية الله وحزناً على المؤمنين « ولا نقول إلاّ ما يرضي الله » كما ورد عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والحديث المذكور مخالف للفطرة السليمة والتركيبة البشرية للنّاس عموما ، والبكاء كما يؤكد الأخصّائيّون هو عملية تنفيس ورفع للغُصص التي قد تؤدّي للهلاك إذا انحبست في داخل المرء.
على أيّ حال نحن لا نشك في هذا الحديث فقط ، بل في كثير من الأحاديث ، فالله تعالى لم يضمن لنا عدم تحريف السنّة الشريفة وإنّما ضمن فقط عدم تحريف كتابه الكريم بقوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
_____________________
١) سير أعلام النبلاء ـ السيرة النبوية ـ ٢ / ٢٨٨.
٢) يعقوب كان من أشهر البكّائين ولم يذمّ الله فعله ذلك في سورة يوسف.