الكثير منهم يَستشهد بكتاب الله في قوله تعالى : ( مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ) (١) ليثبتوا أنّ أول من قال بنظرية النشوء والإرتقاء لداروين هو القرآن !!
وهكذا كنت أدافع بحماس عن القول بأنّ أوّل من جاء بنظرية الديمقراطية بالمعنى الواسع ـ على عكس ما كان يفهم منها زمن اليونانيين ـ هو الإسلام ، وأنّ أوّل من طبقها هو الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والصحابة من بعده.
ومع الأسف فإن هذه الظاهرة ـ تطويع كلام الله تعالى حسب الأهواء والاعتقادات ـ يمثّل ظاهرة خطيرة جدّا في كل عصر.
فمن يريد أن يقول إنّ الله جسم جالس على كرسيّه في السّماء يطوّع آيات القرآن لما يظن ، ومن يريد أن يثبت أنّ الأرض مسطّحة أو مدوّرة يستشهد بالقرآن ، ومن يريد أن يعرف عمر وجود الإنسان على الأرض يطوّع آيات الذكر الحكيم لغرضه ، بل أنّ « كلينتون » و « رابين » المقبور استشهدا بالقرآن في قوله تعالى : ( وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ) (٢) لفرض اتفاقيات الهزيمة مع « ياسر عرفات » ، هذا مع أنّ القرآن بتصرفهم هذا يأخذ شكل الإناء الذي وُضع فيه دون أن يكون لهم جميعا مرجعا محدَّدا يرجعون إليه ليفصل بينهم فيما اختلفوا فيه.
وهكذا صار حالنا نحن المسلمون اليوم كحال بني اسرائيل في قال تعالى فيهم : ( وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ
_____________________
١) سورة نوح : ١٣ ، ١٤.
٢) سورة الجاثية : ١٧.