ـ « أجل ، وأنا أصدّق على ما تظنه ، وأزيدك وضوحاً ، بأنّ ما لا تشك به إلاّ ظناً ، فإنّي لا أشك به إلاّ محض الحق وعين اليقين ، فإنّي قد رأيتك تصادق على ما أدعيته ضدك ومن قبل ، فلقد سعيت سعيك في المصادرة على كُلّ ما اتهمتك به. ولقد جهدت جهدك الحثيث ، ومن دون أن تشعر لاثبات مدعاي ، وتأييد كُلّ ما أردت إفحامك به ، بل التأكيد على كُلّ ما أدلى به دلوي إليك .. ».
فقاطعني من جديد ، وهو يقول :
ـ « إذن ، أنا في قعر البئر ».
إلاّ إنّي أسهبت في الكلام ومن دون أن أعتني بما قال ، غير أنّي ابتسمت له كأني أطالبه بالتريث ، ريثما أحكي له قصة لوعتي ، وقصيد أشجاني الحقيقي ، لأنّ المسألة ما كانت تحتمل لمسة عناد ، أو مهملة لجاجة .. لأنّ الواقع يفترض بنا أن نكون جادين بقدر ما نكون عاطفيين ، نرتبط بآبائنا ، وبقدر ما لنا أن نرتبط بالعالم من حولنا ، ولو كان لنا أن نثبت لهم وقادن بأكثر مما نثبته للآخرين ، ونكون لهم خير خلف لخير سلف .. فقلت له ، وأنا أُتابع حديثي :
ـ « لأنك كنت قد صورت نفسك كالقمر ، وشبهت حالك بحاله ، عملاً عرضك للظهور كما ظهر آباؤك من قبل ، رجاء أن تدفع عنهم الرِّيَب والتهم ، وتبري ساحتهم بنفس الدليل والبرهان الذي صرت تدفع بهما عن نفسك ، لأنك ما طمحت إلى أن تكون أفضل منهم. ولربما كان اللّه قد آتاك من العلم ما لم يؤتهم هم أنفسهم ، إلاّ أنك مع ذلك رضيت بهذا القدر اليسير ، واكتفيت به ، كما لو أدرت القول بأ نّك ترضى لنفسك من العيش ما رضيه السلف من الماضين ، والسابقون من القدماء ، من حيث سكنى الكهوف ، والاشتغال بالزراعة وبعض الصناعات فقط ، والاكتفاء بضوء الشموع بدلاً عن أضواء