السحاب. وما كانت لسائر الليالي إلاّ لتضّرّع متهجدة إلى بارئها ، بأن يقضي مواهنها ، ويصرّم أوطارها ، حتّى يطلع عليها نهار الأيام المقبلة. فلا الهلال هو بالذي سيمكنك الاستعاضة به عن نور الشمس ، ولا القمر الغائب المختنق في عباب الظلمات وحنادس المحاق .. بمقدوره أن يجلي لون عتمة الليل ، ويضيء لك القلب! بل إن عليك أن تقنع بما أقتنع به اللّه واختاره لك. فلا تختار إلاّ ما اختاره لك! .. وإذن ، فما عليك إلاّ أن تبحث حتّى تقتبس من الأرض لمسات الضوء ، وتقف في نفس المكان التي وقفها آباؤك ، لتصبح كالقمر نفسه ، ولتنظر ساعتها إلى الأرض ، لترى مقدار ضوئها الذي تعكسه ، وعظمة حجمها! مع أنّك تنزل نفسك منزل آبائك ، وتصور نفسك كالقمر حتّى إذا ما طالبتك برواية الأرض أدعيت أن غير المسلمين هم وحدهم الذين تسنى لهم رؤيتها ، وما كنت إلاّ قمراً لا يميل إلى سوى الأرض .. ».
ـ « والشمس كذلك .. ».
عاجلني بهذه الجملة المقتضبة ، وكأنه كان قد شعر أنّه قد أمطرني بحجة تفي بالغرض ، وتدعوه إلى الوقوف على قدميه ، وذلك بعد أن أوقع طول الحجاج الوهن في ساقيه ، وأنزل ضربات الهول في أعصاب قدميه الضعيفتين .. فغدا لا يقوى على الوقوف ، فاطّرحهما أرضاً حتّى تهاوى جسده ، مريحاً بدنه المتعب ، بينما جعلت أقول له :
ـ « إنّي لم أدع نفسي تكمل فحوى العبارة حتّى جعلتك أنت الذي تقرّ على ما أردت ادانتك به ، ومن قبل أن أعلن عليك فساد نظرتك السابقة .. فأثبتّ ومن حيث أقررت بتشبيه نفسك بالقمر كحال آبائك من قبل حتّى قنعت بما قنعوا وجعلتني من بعد ذلك ، أثبت لنا خطأ دعواك ، فإذا بك تبصر الأرض