أي : لا يؤاخذكم بذنبهم ، فلن يأمرنا أن لا نسأل عن عمل الماضيين وهو تعالى قد حثّنا في القرآن الكريم على استطلاع أخبار الأمم السابقة لنستخلص منها العبر ، فقد حكى الله لنا عن فرعون وهامان ونمرود وقارون وعن الأنبياء السابقين وشعوبهم ، وذلك لا للتسلية ولكن ليعرفنا الحق من الباطل ، ولكي نعرف أولياء الله فنواليهم ، ونعرف أعداؤه تعالى فنعاديهم ، وهذا ما طلبه منا القرآن الكريم ، بل نحن نرى ونسمع من خطابات القوم ومواعظهم ودروسهم ذكر أعمال أصحاب موسى وعيسى ، فلم عندما يصل الدور إلى أصحاب نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله هنا لا يجوز ذكر أعمالهم غير الصالحة أمّا مدحهم فهو ثواب عظيم؟! فالآية واضحة أنّها تعني أنّ الله تعالى لا يسأل قوم عن عمل آخرين ، أي : لا يؤاخذهم بذنوبهم ، وهذا مصداق لقوله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىُ ) (١).
وأنقل نصّاً عن تفسير الشيخ الطوسي ( رحمه الله ) : ( قوله تعالى : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ، المعنى : قيل : في تكرار قوله ( تلك أمّة قد خلت ) قولان :
أحدهما : أنّه عني بالأوّل : إبراهيم ومن ذكر معه من الأنبياء.
والثاني : عنى به أسلافهم من آبائهم الذين هم على ملّتهم.
والقول الثاني : إنّ الجواب إذا اختلفت أوقاته فكان الثاني في غير موطن الأوّل ، وكان بعد مدّة من وقوع الأوّل بحسب ما اقتضاه الحال لم يك ذلك معيباً
__________________
١ ـ فاطر : ١٨.