جميع القبائل ، ولا يمكن لبني هاشم الأخذ بثأره من جميع أولئك.
فإنّ قريشاً لم تزل تخيل الآراء ، وتعمل الحيل في قتل النبي صلّى الله عليه وآله ، حتّى كان آخر ما اجتمعت في ذلك ، يوم الدار ـ دار الندوة ـ وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف.
وأحدقوا بأجمعهم به وعليهم السلاح يرصدون طلوع الفجر ليقتلوه ، فلمّا أصبح القوم وأرادوا الفتك به ثار إليهم ، فتفرّقوا عنه حين عرفوه وانصرفوا ، وقد بطلت حيلتهم وانتقض ما بنوه من التدبير.
ثمّ إنّهم سألوه عن النبي : أين هو؟ قال : في حفظ الله. وفي رواية قال : لا أدري ، أو رقيب كنت عليه؟! أمرتموه بالخروج فخرج.
ثمّ أقام ثلاثة أيام بمكة يجهّز عيال رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ويرد ودائعه ، ويسدّ مسدّه ، وكان رسول الله عليه السلام قد استخلفه لردّ الودائع ، فلمّا أدّاها أقام على الكعبة ثلاثة أيام ونادى بصوت رفيع : يا أيها الناس ، هل من صاحب أمانة؟ هل من صاحب وديعة؟ هل من صاحب عدّة قبل رسول الله؟ وأقام بمكّة وحده مراغماً لأهلها حتّى أدّى إلى كلّ ذي حقّ حقّه ، وجهّز عيال رسول الله صلّى الله عليه وآله ، مع عظيم فعله مع المشركين ، وأنّه فوّتهم غرضهم من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ومعلوم أنّ من فوّت أحداً غرضه ازداد عليه حنقاً وبغضاً ، لا سيما قد فوّتهم شيئاً عظيماً ، وهو مع ذلك ظاهر بينهم ثابت الجنان قوي القلب واللسان ، مع خذلان البشر له وقلّة الأعوان ، وثبوته في ذلك الوقت الهائل والزلزال الذاهل اشبه ما يكون باستسلام إسماعيل لذبح إبراهيم عليهما السلام ، وإقدامه على المبيت أعظم من المبارزة في الجهاد ، وبين الحالين فرق ؛ لأنّ المحارب يجوز النجاة والعطب لنفسه ، فحاله مترددة بين الحالتين والأمرين ،