الأقدام وتشيلها الرياح ، كما تمنّى عمرو بن العاص أنّه بعرة أو أنّه مات قبل صفين ، كما في الروايات أنّه لما حضرته الوفاة قال لابنه : لود أبوك أنّه كان مات في غزاة ذات السلاسل ، إنّي قد دخلت في أمور لا أدري ما حجّتي عند الله فيها.
ثمّ نظر إلى ماله فرأى كثرته فقال : يا ليته كان بعراً ، يا ليتني مت قبل هذا اليوم بثلاثين سنة ، أصلحت لمعاوية دنياه وأفسدت ديني ، آثرت دنياي وتركت آخرتي ، عمي علي رشدي حتّى حضرني أجلي ، كأنّي بمعاوية قد حوى مالي وأساء فيكم خلافتي.
وقال ابن عبد البر : دخل ابن عباس على عمرو بن العاص في مرضه فسلّم عليه وقال : كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال : أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلاً ، وأفسدت من ديني كثيراً ، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفزت ، ولو كان ينفعني أنّ أطلب طلبت ، ولو كان ينجيني أنّ أهرب هربت ، فصرت كالمنخنق بين السماء والأرض ، لا أرقى بيدين ولا أهبط برجلين.
وقال عبد الرحمن بن شماسة : لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى ، فقال له ابنه عبد الله : لم تبكي؟ أجزعاً من الموت؟ قال : لا والله ولكن لما بعده ، فقال له : قد كنت على خير. فجعل يذكره صحبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وفتوحه الشام ، فقال له عمرو : تركت أفضل من ذلك : شهادة أنّ لا إله إلّا الله ، إنّي كنت على ثلاث أطباق ليس منها طبق إلّا عرفت نفسي فيه ، كنت أوّل شيء كافراً فكنت أشد الناس على رسول الله صلّى الله عليه وآله فلو متّ يومئذٍ وجبت لي النار ، فلمّا بايعت رسول الله صلّى الله عليه وآله كنت أشدّ الناس حياء منه فما ملأت عيني من رسول الله صلّى الله عليه وآله حياء منه ، فلو متّ يومئذٍ قال