« أتَاكَ الأمرُ وهو متوقّع ».
قوله : ( أَتَيْنا طائِعِينَ ) أي جئنا طائعين ، وقرأ ابن عباس بالمد فيكون المعنى : « أعطينا الطاعة ».
قال الشيخ محمد بن محمد بن النعمان (ره) : هو سبحانه وتعالى لم يخاطب السماء بكلام ولا السماء قال قولا مسموعا ، وإنما أراد أنه عمد إلى السماء فخلقها ولم يتعذر خلقها عليه ، وكأنه لما خلقها قال لها وللأرض : ( ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ) فلما فعلتا بقدرته كانتا كالقائلتين : ( أَتَيْنا طائِعِينَ ) ، ومثل ذلك كثير في محاورات العرب.
قوله : ( فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ ) أي أتى مكرهم من أصله ، وهو تمثيل لاستيصالهم ، والمعنى أنهم فعلوا حيلا ليمكروا الله بها فجعل الله هلاكهم في تلك الحيل ، كحال قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالأساطين وأتى البنيان من الأساطين بأن ضعفت فسقط عليهم السقف فهلكوا.
وفي التفسير : أراد صرح نمرود.
قوله : ( لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) الضمير للقرآن ، أي ليس فيه ما لا يطابق الواقع لا في الماضي ولا في الحال ـ كذا روي عن أهل البيت عليهمالسلام (١).
قوله : ( وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً ) أي يشبه بعضه بعضا ، فجائز أن يشتبه في اللون والخلقة ويختلف بالطعم ، وجائز أن يشتبه بالنبل والجودة فلا يكون فيه ما يفضله غيره قوله حكاية عن الشيطان : ( ثُمَ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ) الآية ، أي لآتينهم من الجهات الأربع التي يأتي العدو منها في الغالب ، وهذا مثل لوسوسته إليهم على كل وجه يقدر عليه.
وعَنِ الْبَاقِرِ (ع) قَالَ : ( لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ) يَعْنِي أُهَوِّنُ عَلَيْهِمْ أَمْرَ الْآخِرَةِ ( وَمِنْ خَلْفِهِمْ ) آمُرُهُمْ بِجَمْعِ الْأَمْوَالِ وَالْبُخْلِ بِهَا عَنِ الْحُقُوقِ لِتَبْقَى لِوَرَثَتِهِمْ ( وَعَنْ أَيْمانِهِمْ ) أُفْسِدُ عَلَيْهِمْ أَمْرَ دِينِهِمْ بِتَزْيِينِ الضَّلَالَةِ وَتَحْسِينِ الشُّبْهَةِ ( وَعَنْ شَمائِلِهِمْ ) بِتَحْبِيبِ اللَّذَّاتِ إِلَيْهِمْ وَتَغْلِيبِ الشَّهَوَاتِ عَلَى قُلُوبِهِمْ (٢).
__________________
(١) البرهان ٤ / ١١٢.
(٢) البرهان ٢ / ٥.