المراد من الذكر الأول والعزيمة والقدر والقضاء النقوش الثابتة في اللوح المحفوظ ، ومن تفسير القدر بالهندسة تقديرات الْأَشْيَاءِ من طولها وعرضها ، والهندسة عند أهل اللسان هي تقدير مجاري القنى حيث تحفر.
والشَّيْءُ في اللغة عبارة عن كل موجود إما حسا كالأجسام وإما حكما كالأقوال ، نحو : « قلت شَيْئاً ».
وَفِي حَدِيثِ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَيْءٌ : « أَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلَّهِ : إِنَّهُ شَيْءٌ؟ قَالَ : نَعَمْ ، يُخْرِجُهُ مِنَ الْحَدَّيْنِ : حَدِّ التَّعْطِيلِ ، وَحَدِّ التَّشْبِيهِ » (١). والمعنى لا تقل إنه لا شَيْءَ ولا تقل إنه شَيْءٌ كَالْأَشْيَاءِ التي تدرك بالعقول ، بل إنه شَيْءٌ موجود لا يشابه شَيْئاً من الماهيات المدركة ولا شَيْئاً من الممكنات.
وَفِي حَدِيثِ وَصْفِهِ تَعَالَى : « لَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ وَلَا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ ». قيل في معناه : إنه (ع) نفى بِقَوْلِهِ : « لَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ ». جميع حجج السنوية وشبههم ، لأن أكثر ما يعتمدونه في حدوث العالم أن يقولوا : لا يخلو من أن يكون الخالق خلق الْأَشْيَاءَ من شَيْءٍ أو من لا شَيْءَ ، فقولهم من شيء خطأ وقولهم من لا شيء مناقضة وإحالة لأن من توجب شيئا ولا شيء ينفيه ، فأخرج (ع) هذه اللفظة فَقَالَ : « لَا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ ». فنفى من إذ كانت توجب شيئا ونفى الشيء إذ كان كل شيء مخلوقا محدثا لا من أصل أحدثه الخالق ، كما قالت الثنوية : إنه خلق من أصل قديم فلا يكون تدبيرا إلا باحتذاء مثال.
و « إن شَاءَ الله » تكرر في الحديث بعد إعطاء الحكم كقوله فِي حَدِيثِ الْوَصِيَّةِ : « لَا يَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ يُخَالِفَا الْمَيِّتَ وَأَنْ يَعْمَلَا حَسَبَ مَا أَمَرَهُمَا إِنْ شَاءَ اللهُ ». وَقَوْلُهُ (ع) : « وإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ». ونحو ذلك. فقيل : معناه إذ شَاءَ الله. وقيل : « إن » شرطية والمعنى : لاحقون في الموافاة على الإيمان وقيل : هو التبري والتفويض ،
__________________
(١) الكافي ج ١ ص ٨٢.