عند الخوف على النفس ، كما قال تعالى : ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ). وقال في قوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ما أطقتم.
والِاتِّقَاءُ : الامتناع من الردى باجتناب ما يدعو إليه الهوى ، ولا تنافي بين هذا وبين قوله تعالى : ( اتَّقُوا اللهَ حَقَ تُقاتِهِ ) لأن كل واحد منهما إلزام لترك جميع المعاصي ، فمن فعل فقد اتَّقَى عقاب الله ، لأن من لم يفعل قبيحا ولا أخل بواجب فلا عقاب عليه ، إلا أن في أحد الكلامين تنبيها على أن التكليف لا يلزم العبد إلا فيما يطيق ، وكل أمر أمر الله به فلا بد أن يكون مشروطا بالاستطاعة. ثم حكى ما قاله قتادة من أنه ناسخ لقوله : ( اتَّقُوا اللهَ حَقَ تُقاتِهِ ) ثم قال : والصحيح أنه مبين لا ناسخ.
قوله تعالى : ( هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) [ ٧٤ / ٥٦ ] أي أنا أهل أن أَتَّقِي إن عصيت وأنا أهل أن أغفر.
قوله تعالى : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) [ ٩٢ / ١٧ ] أي التَّقِيَ الخائف الذي يخشى الله في الغيب ويجتنب المعاصي ويَتَوَقَّى المحرمات ، أي وسيجنب النار الْأَتْقَى البالغ في التَّقْوَى الذي ينفق ماله في سبيل الله ( وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ) أي ولم يفعل ما فعله لنعمة أسديت إليه يكافىء عليها ولا ليد يتخذها عند أحد ( إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ ) مستثنى من غير جنسه وهو النعمة ، أي ما لأحد عنده نعمة إلا ابتغاء وجه ربه ، كقوله : « ليس في الدار أحد إلا حمارا » ويجوز أن يكون مفعولا له ، لأن المعنى : لا يؤتي ماله إلا ابتغاء الثواب ( وَلَسَوْفَ يَرْضى ) بما يعطى من الثواب والخير.
قوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) [ ٦٥ / ٢ ] رُوِيَ أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ انْقَطَعَ رِجَالٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي بُيُوتِهِمْ وَاشْتَغَلُوا فِي الْعِبَادَةِ وُثُوقاً بِمَا ضُمِنَ لَهُمْ ، فَعَلِمَ النَّبِيُّ (ص) ذَلِكَ فَعَابَ مَا فَعَلُوهُ وَقَالَ :