وهناك حروب داخلية ـ دينية وسياسية ـ غير هذه التي ذكرناها، لابدَّ من الوقوف عليها ولو بشيء من الاختصار، تلك التي جرت مع المرتدّين حقَّاً، الذين أعلنوا ارتدادهم عن الإسلام جهرةً، ومالوا إلىٰ أديان أُخرىٰ، وبعض رؤوساء هذه القبائل ادَّعىٰ النبوَّة، وكان علىٰ رأسهم : مسيلمة الكذَّاب، الذي كان علىٰ قبيلة بني حنيفة، ادَّعىٰ النبوَّة، قبل وفاة النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم، ثُمَّ الأسود العنسي بصنعاء، ثُمَّ ادَّعىٰ النبوَّة طليحة بن خويلد الأسدي في بلاد بني أسد، في مرض النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي توفِّي فيه.
ثمَّ ادَّعت النبوة سجاح بنت الحارث التميمية، بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم، وكان رجل من أصحابها ينشد :
أمستْ نبيَّتنا أنثىٰ نطيفُ بها |
|
وأصبحت أنبياء الناس ذُكرانا |
وانتهىٰ أمرها أن تزوَّجها مسيلمة (١).
فكانت هذه الحروب حروب المرتدِّين الحقيقيين، أهمَّ دواعي توحيد الصفِّ في المدينة المنوَّرة، إذ كانت هذه الحروب طويلة وكثيرة، وقد اتَّفقوا كلّهم علىٰ مقاتلتهم يداً واحدة.
في مطلع سنة ١٣هـ عزم أبو بكر علىٰ محاربة الروم، فشاور جماعة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم، فقدَّموا وأخَّروا، فاستشار عليَّ بن أبي طالب عليهالسلام، فأشار عليه أن يفعل، وقال له : « إن فعلتَ ظفرت »
_______________________
١) أنظر : سيرة ابن هشام ٤ : ١٨٢، تاريخ الطبري ٣ : ١٤٦ ـ ١٤٧، ٢٧٣ ـ ٢٧٤.