رأينا فيما سبق كيف وقف أمير المؤمنين عليهالسلام من أحداث السقيفة، خلال الأشهر الأولىٰ من وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مع جماعة من المهاجرين والأنصار، موقفاً يتَّسم بالشدَّة والصلابة، محتجَّاً عليهم بالمنطق الذي احتجوا فيه علىٰ الأنصار يوم السقيفة، إضافةً إلىٰ أنَّه عليهالسلام قد ذكَّرهم بالنصوص التي صرَّح بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بحقِّه، والتي لا يجهلها أحد منهم، واستطاع عليهالسلام بتلك المواقف الحكيمة أن يستميل إلىٰ جانبه عدداً من المسلمين.
ولكن ظهرت في هذه الفترة بوادر ارتداد بعض الأعراب، قال : « فأمسكتُ يدي، حتىٰ رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلىٰ محق دين محمَّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرىٰ فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم، التي إنَّما هي متاعُ أيَّامٍ قلائل... » (١).
لله وللإسلام سكت وصبر على كلَّ ما سلف من هؤلاء الذين تآمروا عليه، وأساءوا إلىٰ بضعة رسول الله زوجته، وقنع من الدنيا أن يجمع القرآن ويحفظه، ويشتغل بتفقيه الناس والقضاء بينهم..
وبعد أن بويع لأبي بكر بالخلافة تميَّز في مجتمع المدينة ومكَّة، عن سائر الناس، فريقان :
_______________________
١) نهج البلاغة، الكتاب ٦٢.