حرب صفِّين والنهروان ، ولا مذبحة كربلاء ، ووقعة الحرّة ، ولا رُميت الكعبة المكرَّمة بالمنجنيق أكثر من مرَّة ، ولا كانت الحرب بين الزبيريِّين والأُمويِّين ، ولا بين الأُمويِّين والعباسيِّين ، ولما افترق المسلمون إلىٰ سُنَّة وشيعة ، ولما وجد بينهم جواسيس وعملاء يعملون علىٰ التفريق والشتات ، ولما صارت الخلافة الإسلامية ملكاً يتوارثها الصبيان ، ويتلاعب بها الخدم والنسوان .
لقد جمعت حرب الجمل جميع الرذائل والنقائص ، لأنَّها السبب لضعف المسلمين وإذلالهم ، واستعبادهم وغصب بلادهم ، فلقد كانت أوَّل فتنةٍ ألقت بأس المسلمين بينهم ، يقتل بعضهم بعضاً ، بعد أن كانوا قوَّةً علىٰ أعدائهم ، كما فسحت المجال لما تلاها من الفتن والحروب الداخلية التي أودت بكيان المسلمين ووحدتهم ، ومهَّدت لحكم الترك والديلم والصليبيِّين وغيرهم . وباختصار لولا فتنة الجمل لاجتمع أهل الأرض علىٰ الإسلام ، لأنَّ رحمته تشمل الناس أجمعين ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) وقال النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنَّما أنا رحمة مهداة » » (١) .
لمَّا انتهت فتنة الجمل استعدَّ الإمام إلىٰ حرب معاوية ، فوجد حماساً وتجاوباً من أهل الكوفة ، فقد كان قسم كبير منهم قد اشتركوا معه في معركة الجمل ، وهم الآن يريدون أن يضيفوا نصراً جديدا للإسلام .
ثمَّ إنَّ الإمام وقبل حرب صفِّين قد أرسل إلىٰ معاوية السفراء والكتب
_______________________
١) فضائل الإمام عليٍّ : ١٣٨ ـ ١٣٩ .